مبردة عتيقة , أكياس ملابس مستعملة , أواني وأدوات
منزلية فائضة , قراطيس و حقائب ملئى بمستلزمات المدرسة , ومبلغ بسيط يبلغ
أربعمائة ألف و خردة , كان كافياً ليرسم أبتسامة على وجوه سبعة أطفال وأمهم
الأرملة , رافقتني في رحلتي أمرأة فاضلة هي نفسها التي كشفت قصّتهم لنا ,
أخذتها معي لتسلم الأمانة وتكلم الأم فهي في (عدّة) مستمرة , خلف جدران
الطين متوارية , ولا أخفيكم ما عانيت من الضجر , فالطريق الى قرية الشريفات
(هكذا أسمها) مليء بالأنهار والحفر.
لنعرج قليلاً على المكان , سميت القرية بأسمها كون أغلب سكانها يتبعون عشيرة تحمل نفس الأسم , نزحت الى العراق قبل ألف سنة قادمة من اليمن تعود الى قبيلة (شمّر) , كان لها الفضل كما باقي القبائل الوافدة في الأبقاء على كيان الوطن بعد محاولات للأجهاز عليه على مر الزمن , أبتداءاً من تدمير بابل وآشور ومروراً بأنهزام حكومات المذاهب الأربعة , حاز أفرادها على الهوية ليكونوا سكاناً أصليين دون شك أو جدل , جلهم يعيشون من أجل البقاء تحت خط الفقر كما أغلب شعبنا
الأمر بالنسبة لي وبحسب التقييم البغدادي مجرد (حلاوه بجدر مزروف) فتلك الأشياء أرسلها فاعل خير أعرفه (دكتور يرفض دوماً الأفصاح عن أسمه) كلفني أن أوصلها بعد سماعه لحكايتهم دون ثرثرة , خلاصتها :
مات أبوهم بأحد طرق الموت الفجائي المتفشيّة في البلد وتركهم دون أي سبوبة تنقذهم , ولكوني بريء الوفاض من تهمة الأستعراض وداء الرياء في تلك الحكاية , كتبتها .
منظر الأطفال وهم ينزلون الأغراض أخذني الى لحظات لن أنساها أبدأً , عدت بها لزمن بعيد في العام الرابع والسبعين من القرن المنصرم حين حصلت على أول كراسة رسم و أقلام ملونة , بل أن مستوى الفرح عندهم ربما وصل الى اللحظة التي صار عندي فيها درّاجة هوائية لأول مرة في الستة وسبعين من نفس القرن المزدهر , كبيرهم ربما كان في العاشرة , بادرته في سؤال لأشباع فضولي :
كيف تأكلون ومن أين تشربون , أجابني فرحاً وهو يحمل حقيبته التي أستلمها :
لدينا أربع دجاجات تبيض , ومعها الحصة (يقصد المواد التموينية القليلة التي تمنحها الحكومة ) يجلبها لنا (العرب) , كانت عندنا بقرة بعناها من أجل (الفاتحة) , أقاربنا ساعدونا فيها والا كنا بقينا مطلوبين طول العمر , البركة بــ (أهل الرحم) ..كان ذكياً عرفت ذلك من طريقته فهو يتكلم بحكمة وأقناع وكأنه شيخ البدو.
أيعقل أن يوجد في بلد نفطي يتشدق حكامه بالديمقراطية , هكذا سكان منقطعين عن العالم بهكذا أفلاس وفقر ؟
من المؤلم أن نقول نعم , وهم كثر , في قلب بغداد بعضهم , أما غالبيتهم , فهم على أطراف بغداد وكل محافظاتنا !
كان في ذهني سؤال حمّلته للمرأة (صاحبتنا) كي توصله الى الأرملة :
لماذا لم تستعينوا بشبكة الحماية في الدولة , أو حتى المنظمات كي تنقذكم , جريمة أن تمنعي أطفالك عن المدرسة بسبب الملابس و الدفاتر والكتب !
كان جوابها : نحن لا نملك فلساً والمراجعة للرعاية تحتاج أجوراً للسيارات والمعاملة ولا نعرف أحداً فيها ولا أحد يعرفنا
في طريق العودة الطويل لا أعرف السبب الذي جعلني أتذكر الهنود الحمر و كيف أنهم يمرضون ويموتون بسرعة بمجرد أقترابهم من المدن , لو راجعت الأم دائرة الرعاية ربما ستنقل لأبنائها وباءاً يقتلهم , من المفرح أنهم سيكونون أحياء لعام كامل , فقد أقسمت الأم أن المبلغ الذي سلّمناه لها سيكفيهم لمدة سنة !
لنعرج قليلاً على المكان , سميت القرية بأسمها كون أغلب سكانها يتبعون عشيرة تحمل نفس الأسم , نزحت الى العراق قبل ألف سنة قادمة من اليمن تعود الى قبيلة (شمّر) , كان لها الفضل كما باقي القبائل الوافدة في الأبقاء على كيان الوطن بعد محاولات للأجهاز عليه على مر الزمن , أبتداءاً من تدمير بابل وآشور ومروراً بأنهزام حكومات المذاهب الأربعة , حاز أفرادها على الهوية ليكونوا سكاناً أصليين دون شك أو جدل , جلهم يعيشون من أجل البقاء تحت خط الفقر كما أغلب شعبنا
الأمر بالنسبة لي وبحسب التقييم البغدادي مجرد (حلاوه بجدر مزروف) فتلك الأشياء أرسلها فاعل خير أعرفه (دكتور يرفض دوماً الأفصاح عن أسمه) كلفني أن أوصلها بعد سماعه لحكايتهم دون ثرثرة , خلاصتها :
مات أبوهم بأحد طرق الموت الفجائي المتفشيّة في البلد وتركهم دون أي سبوبة تنقذهم , ولكوني بريء الوفاض من تهمة الأستعراض وداء الرياء في تلك الحكاية , كتبتها .
منظر الأطفال وهم ينزلون الأغراض أخذني الى لحظات لن أنساها أبدأً , عدت بها لزمن بعيد في العام الرابع والسبعين من القرن المنصرم حين حصلت على أول كراسة رسم و أقلام ملونة , بل أن مستوى الفرح عندهم ربما وصل الى اللحظة التي صار عندي فيها درّاجة هوائية لأول مرة في الستة وسبعين من نفس القرن المزدهر , كبيرهم ربما كان في العاشرة , بادرته في سؤال لأشباع فضولي :
كيف تأكلون ومن أين تشربون , أجابني فرحاً وهو يحمل حقيبته التي أستلمها :
لدينا أربع دجاجات تبيض , ومعها الحصة (يقصد المواد التموينية القليلة التي تمنحها الحكومة ) يجلبها لنا (العرب) , كانت عندنا بقرة بعناها من أجل (الفاتحة) , أقاربنا ساعدونا فيها والا كنا بقينا مطلوبين طول العمر , البركة بــ (أهل الرحم) ..كان ذكياً عرفت ذلك من طريقته فهو يتكلم بحكمة وأقناع وكأنه شيخ البدو.
أيعقل أن يوجد في بلد نفطي يتشدق حكامه بالديمقراطية , هكذا سكان منقطعين عن العالم بهكذا أفلاس وفقر ؟
من المؤلم أن نقول نعم , وهم كثر , في قلب بغداد بعضهم , أما غالبيتهم , فهم على أطراف بغداد وكل محافظاتنا !
كان في ذهني سؤال حمّلته للمرأة (صاحبتنا) كي توصله الى الأرملة :
لماذا لم تستعينوا بشبكة الحماية في الدولة , أو حتى المنظمات كي تنقذكم , جريمة أن تمنعي أطفالك عن المدرسة بسبب الملابس و الدفاتر والكتب !
كان جوابها : نحن لا نملك فلساً والمراجعة للرعاية تحتاج أجوراً للسيارات والمعاملة ولا نعرف أحداً فيها ولا أحد يعرفنا
في طريق العودة الطويل لا أعرف السبب الذي جعلني أتذكر الهنود الحمر و كيف أنهم يمرضون ويموتون بسرعة بمجرد أقترابهم من المدن , لو راجعت الأم دائرة الرعاية ربما ستنقل لأبنائها وباءاً يقتلهم , من المفرح أنهم سيكونون أحياء لعام كامل , فقد أقسمت الأم أن المبلغ الذي سلّمناه لها سيكفيهم لمدة سنة !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق