أمقت القسر لفرض الأيديولوجيات
خصوصا" مايتعلق بالحرية الشخصية , ولديّ وللكثير مثالا" معاصرا"
بقندهار ولاية في أفغانستان أختطفها الفكر المتطرّف ليحيلها الى أمارة أقرب الى
جزيرة نائية بدائية , ساد فيها القتل كعقوبة يومية جماعية و شاعت بها ثقافة أهداء
الجواري و أمتلاك الغلمان وطقوس الرجم والحد و العمليات الأنتحارية تحولت بصورتها
العامة الى مزيج بين السادية المفرطة و قمة الماسوشية حتى تراجعت بظهورها مباديء التحضّر و الأنسانية , وماكادت لتظهر تلك الوصمة التي أساءت للدين نفسه قبل الأساءة للأنسان الذي أصطفاه الرب سيدا" لخلقه حتى برزت بعدها ظواهر في بلاد عديدة أنتشرت كالوباء لتؤسس لأمارات مستنسخة عنها رغم أختلافها شكلا" لكنها تجتمع معها في أنتهاك الأنسانية .
تحضرني وأنا مراقب للمشهد برغم قطيعتي الدائمة للملاهي والبارات والنوادي الا ماندر حكاية حدثت في بغداد شتاء العام 1938 حين أنكسر جزء من السد المحاذي لنهر دجلة في منطقة الكسرة الآن التي تطل على الوزيرية , حدثت الثغرة في زمن كان البغداديون وبسبب بساطة الحياة آنذاك ينامون مبكرين ( مع صفار الشمس) فلا تلفزيون ولا كهرباء تستحق السهر والجلوس لساعات متأخرة , صدرت الأوامر الى قائد شرطة المنطقة بأن يستنجد بالأهالي في عمل شعبي أو سخرة فأحتار بسبب تيقنه من عدم وجود أي منهم مستيقظ في تلك اللحظة , فخطرت لديه فكرة بأن يذهب الى أماكن اللهو في بغداد فروّادها لاينامون حتى مطلع الفجر , ذهب مع ثلة من زملائه و وجدوا هناك (عزّ الطلب) فقاموا بجمع كل الموجودين في سيارات الشرطة وتوجهوا بهم الى الثغرة التي أن بقيت ستغرق بغداد كلها , و بدأوا بمليء التراب بأكياس (الجنفاص و الستلي) ليحملوه على ظهورهم من أجل درء الخطر, وتم لهم ذلك قبل طلوع الفجر , فوجهت الحكومة في اليوم التالي برقية شكر لأصحاب أماكن اللهو والقائمين عليها , لكن الغريب في الأمر هو ما حصل في الليلة نفسها حين سجلت دعاوى فقدان لمسؤولين كبار قدمتها زوجاتهم وذويهم الى مراكز عديدة للشرطة من بينهم رئيس جزاء بغداد و آمر معسكر الوشاش مع الحرس والسواق في القصر الملكي وغيرهم من أكابر القوم وأرذلهم , والأغرب ماحصل في نهار اليوم التالي حين تغيّب نفس الأشخاص عن أعمالهم ربما بسبب التعب من حمل (الكَواني) فتسبب ذلك في فوضى أربكت الدوائر كلها , وتلك الحكاية وأن تبدو من دون صلة مع جوهر الحديث الآن لكنها مهمة لتوضيح المشهد و شخوصه و مؤثراته الخارجية كي ننتقل الى مشهد نعيشه الآن حين أغلقت السلطات المتأدلجة معظم أماكن اللهو , فبرزت الى سطح المجتمع ظواهر غير مسبوقة , سيكون لأحصائيات الطب العدلي مع القضاء والشرطة دورا" كبيرا" في أيضاحها , رغم هول النتيجة لكنها تستدعي الوقوف والبحث في أسبابها , فهناك أرقاما" موجعة من القتلى , أطفال أبرياء بعمر الزهور يغتصبون ونساء تختطف , وقتل لأتفه الأسباب نتيجة لجدال بسيط أو مشاجرة ,ناهيك عن حالات الأنتحار التي لم نكن يوما" لنراها في مجتمعنا .. هو الكبت والمنع و القسر يحيل الأنسان الى قنبلة , حين ينفجر يدمر جزءا" من المجتمع أضافة الى نفسه , تخلّص منه (أكابر القوم) من خلال زياراتهم المتكررة الى دول الغرب , فهم هنا يمنعون وهناك يبيحون والأدهى من ذلك أن الجميع على علمٍ بتلك الأزدواجية و
أعجب من أن يحاول البعض تسويق أفكارٍ تفضي الى نتائج كارثية من الكبت الملغوم فبمجرد فرضها بالقوة تكتسب صفة الأختطافٍ وأمتهانِ الأنسانية لتؤدي الى ظواهر خطيرة تنحدر الى واقع مأساويٌ حافل بالجرائم اللا أخلاقية .
23-10-2012