ذهبت و بعض رفاقي الى مجلس للفاتحة , و صلنا متأخرين بسبب أنشغالنا
بألتزامات كنّا ننجزها تباعا" بحسب أولويتها , كان المكان قاعة دينية بين
البيوت يبدو أنها بنيت حديثا" فبعض أجزائها لازالت قيد الأنجاز تبدو واضحة ,
دخلناها لنجد عددا" هائلا" من الأشخاص أشغلوا كل الكراسي فلم يبق مكانا"
شاغرا" , أسعفنا مكانا" في الزاوية توجهنا نحوه , رأينا أثناء المسير رجلا"
يعلتي منبرا" عالٍ كان قد بدأ خطبته لغرض
ختم طقوس المجلس , كان ضئيل الحجم , يرتدي عقالا" مع لحية سائبة لم تشذّب
يصدح من خلال ميكرفون بحاكية
جلسنا لنردد مجتمعين : رحم الله والديكم الفاتحة
رددها معنا القريبين من الجالسين أما البعيدين فكانوا صامتين عيونهم شاخصة على الخطيب الراعد المزمجر
وبعد أكمالنا للطقس ألتفت الى رفاقي لأسألهم , هل رأيتم فلان , وهو أبن المتوفي الذي حضرنا من أجله فوقتنا ضيّق ولايمكننا الأنتظار طويلا لنهاية الختمة
أجابوا بالنفي , رن هاتف أحد رفاقي بنفس اللحظة , أجاب بهمس أنه في (فاتحة ) وسيتصل بعد خروجه , رن هاتفي فأجبت بنفس الأجابة
حتى حضر صاحبنا ومعه بضعة أشخاص , يبدو أنهم الأقرب للمتوفي , كانوا يسيرون على أطراف أصابعهم بحذر شديد
وقفنا لنواسيهم ونسألهم عن المرحوم كما يحصل عادة في مجتمعنا, كيف حصلت الوفاة وماهي ملابساتها , الرحمة للفقيد ومسكنه الجنة و البركة بيكم , خاتمة السوء والعاقبة خير عليكم
وفيما نحن واقفين نتحدث , عم صمت رهيب قاعة المسجد , كانت أنظار الموجودين تتحرك , ينظرون لنا ثم ينقلون البصر الى الشيخ الذي كان ينظر ألينا بغضب وكأننا كفرنا به و لانعير له وزنا"
تأكدنا أننا سببنا أرباك للجلسه مما جعل الشيخ يتوقف ويزعل , أصابنا الخوف مع الرهبة , فصمتنا , وجلسنا دون أن ننبس بشفة , حتى أن أرجلنا تخدرت , تنفسنا الصعداء حين واصل الشيخ خطبته
كان ممتعضا" يتكلم صارخا" بالكاد يسيطر على نفسه , تغيّر فجأة مجرى خطبته , أستهلها بآية من سورة التوبة , ثم تناول أصول أحترام مجلس الرسول وآل بيته , فهو مجلس مقدس وعلى الجميع أن لايتنفس , ثم تطرق الى أسباب تردي المجتمع , وكيف أستفحلت بسبب الأبتعاد عن المجالس , وماهي عقوبة المتكلمين أثناء الخطبة , شن هجوما" غير مسبوق ومن جميع المحاور و الهدف نحن من عكرنا مزاجه , البعض شعر بذلك فكانوا يرموننا بنظرات بطرف أعينهم شامتين , وكأن لسان حالهم يقول : حيل بيكم وبعد لاتسووها تره تتبهذلون .. هذا مجلس مقدس يمنع فيه الكلام والهمس وحتى النفس , الولاء والطاعة هي فقط سبيل النجاة من الواعظ المتمرس , ذلك الأنسان الضئيل الحجم يمتلك قدرات سحرية , بأمكانه أن يحول أغلب الحاضرين الى وحوش بشرية تأكلنا بأسنانها لمجرد أننا تصرفنا بعفوية و تحدثنا لنختصر الطقوس لنغادر مبكرا" بسبب ضيق وقتنا , صرنا كفّارا" بنظر الموجودين والبركة بالشيخ الحاكم بأمر نفسه .. ربطت المشهد الذي جرى على الفور بقراءات العلامة علي الوردي لمجتمعنا , كنت أتصورها متأخرة وبعد أن شهدنا عهود الأحتراب الجاري وجدتها مبكرة , فهو الوحيد الذي تجرأ على تناول تلك الأمور التي يسمونها مقدسة , فالواعظ هو أخطر مافي المجتمع , يمكن أن يؤلب الجميع ويحشدهم ضد أحدهم بمجرد ترتيبه لكلمات مقدسة يحشر فيها ما يشاء من الأوامر ليجعل المجتمع قيد أمره , كذلك يؤثر بالمستمعين ليقلدونه فيفشلوا غالبا" ليحاولوا تطبيق الأمر على غيرهم فيذيقونهم الويل و يحيلون أيامهم ليل مظلم , تحول بعضهم الى تكفيريين يقتلون كل من يخالفهم , والبعض الآخر تحولوا آلات تلعن كل من لا يرضخ لأمرها , زاد الوعاظ و باتوا ألوانا" فيهم من يعظ لنفسه أو للمصالح أو للسلاطين وحتى لدول أخرى , فزاد تلاميذهم العاجزين أصلا"عن تطبيق المقاييس الأخلاقية التي يتلقونها , فصبوها جحيما" فوق رؤوس المساكين ليبتلى بهم غيرهم , لتزداد العبودية وتزدهر الكراهية و السباب ومعها كثرت أعداد الفرق المتصارعة لتتحول الى قنابل تحصد أرواح الناس دون أن أدنى رحمة .. رحمك الله أستاذنا الوردي معلمنا الذي شخص الخطير من الأسباب المدمرة لمجتمعنا دون أن يبرز أحدهم ليضع لها العلاج حتى فاحت و شاعت لتنال منّا وتبلغ الآن ذروتها دون ظهور أي علاج يذكر وأنتهت سنة أخرى دون الأخذ بما صدق الوردي .
المقال على الحوار المتمدن في الرابط أدناه
http://www.ahewar.org/ debat/ show.art.asp?aid=368558
جلسنا لنردد مجتمعين : رحم الله والديكم الفاتحة
رددها معنا القريبين من الجالسين أما البعيدين فكانوا صامتين عيونهم شاخصة على الخطيب الراعد المزمجر
وبعد أكمالنا للطقس ألتفت الى رفاقي لأسألهم , هل رأيتم فلان , وهو أبن المتوفي الذي حضرنا من أجله فوقتنا ضيّق ولايمكننا الأنتظار طويلا لنهاية الختمة
أجابوا بالنفي , رن هاتف أحد رفاقي بنفس اللحظة , أجاب بهمس أنه في (فاتحة ) وسيتصل بعد خروجه , رن هاتفي فأجبت بنفس الأجابة
حتى حضر صاحبنا ومعه بضعة أشخاص , يبدو أنهم الأقرب للمتوفي , كانوا يسيرون على أطراف أصابعهم بحذر شديد
وقفنا لنواسيهم ونسألهم عن المرحوم كما يحصل عادة في مجتمعنا, كيف حصلت الوفاة وماهي ملابساتها , الرحمة للفقيد ومسكنه الجنة و البركة بيكم , خاتمة السوء والعاقبة خير عليكم
وفيما نحن واقفين نتحدث , عم صمت رهيب قاعة المسجد , كانت أنظار الموجودين تتحرك , ينظرون لنا ثم ينقلون البصر الى الشيخ الذي كان ينظر ألينا بغضب وكأننا كفرنا به و لانعير له وزنا"
تأكدنا أننا سببنا أرباك للجلسه مما جعل الشيخ يتوقف ويزعل , أصابنا الخوف مع الرهبة , فصمتنا , وجلسنا دون أن ننبس بشفة , حتى أن أرجلنا تخدرت , تنفسنا الصعداء حين واصل الشيخ خطبته
كان ممتعضا" يتكلم صارخا" بالكاد يسيطر على نفسه , تغيّر فجأة مجرى خطبته , أستهلها بآية من سورة التوبة , ثم تناول أصول أحترام مجلس الرسول وآل بيته , فهو مجلس مقدس وعلى الجميع أن لايتنفس , ثم تطرق الى أسباب تردي المجتمع , وكيف أستفحلت بسبب الأبتعاد عن المجالس , وماهي عقوبة المتكلمين أثناء الخطبة , شن هجوما" غير مسبوق ومن جميع المحاور و الهدف نحن من عكرنا مزاجه , البعض شعر بذلك فكانوا يرموننا بنظرات بطرف أعينهم شامتين , وكأن لسان حالهم يقول : حيل بيكم وبعد لاتسووها تره تتبهذلون .. هذا مجلس مقدس يمنع فيه الكلام والهمس وحتى النفس , الولاء والطاعة هي فقط سبيل النجاة من الواعظ المتمرس , ذلك الأنسان الضئيل الحجم يمتلك قدرات سحرية , بأمكانه أن يحول أغلب الحاضرين الى وحوش بشرية تأكلنا بأسنانها لمجرد أننا تصرفنا بعفوية و تحدثنا لنختصر الطقوس لنغادر مبكرا" بسبب ضيق وقتنا , صرنا كفّارا" بنظر الموجودين والبركة بالشيخ الحاكم بأمر نفسه .. ربطت المشهد الذي جرى على الفور بقراءات العلامة علي الوردي لمجتمعنا , كنت أتصورها متأخرة وبعد أن شهدنا عهود الأحتراب الجاري وجدتها مبكرة , فهو الوحيد الذي تجرأ على تناول تلك الأمور التي يسمونها مقدسة , فالواعظ هو أخطر مافي المجتمع , يمكن أن يؤلب الجميع ويحشدهم ضد أحدهم بمجرد ترتيبه لكلمات مقدسة يحشر فيها ما يشاء من الأوامر ليجعل المجتمع قيد أمره , كذلك يؤثر بالمستمعين ليقلدونه فيفشلوا غالبا" ليحاولوا تطبيق الأمر على غيرهم فيذيقونهم الويل و يحيلون أيامهم ليل مظلم , تحول بعضهم الى تكفيريين يقتلون كل من يخالفهم , والبعض الآخر تحولوا آلات تلعن كل من لا يرضخ لأمرها , زاد الوعاظ و باتوا ألوانا" فيهم من يعظ لنفسه أو للمصالح أو للسلاطين وحتى لدول أخرى , فزاد تلاميذهم العاجزين أصلا"عن تطبيق المقاييس الأخلاقية التي يتلقونها , فصبوها جحيما" فوق رؤوس المساكين ليبتلى بهم غيرهم , لتزداد العبودية وتزدهر الكراهية و السباب ومعها كثرت أعداد الفرق المتصارعة لتتحول الى قنابل تحصد أرواح الناس دون أن أدنى رحمة .. رحمك الله أستاذنا الوردي معلمنا الذي شخص الخطير من الأسباب المدمرة لمجتمعنا دون أن يبرز أحدهم ليضع لها العلاج حتى فاحت و شاعت لتنال منّا وتبلغ الآن ذروتها دون ظهور أي علاج يذكر وأنتهت سنة أخرى دون الأخذ بما صدق الوردي .
المقال على الحوار المتمدن في الرابط أدناه
http://www.ahewar.org/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق