10/8/2011 12:00 صباحا
عدنان الطائي
أعتدت أن أُجالس مجموعة من المثقفين الأصدقاء يوميا في أواخر القرن العشرين في مقهى عبود (المستنصربة)، وكان يدور حديثنا في شتى المجالات الأدبية والثقافية والتراثية وأحيانا في الأمور السياسية، ويومها تحدث المرحوم الأُستاذ بكر مصطفى السالم عن المرحوم الكاتب الفكه نوري ثابت صاحب جريدة (حبزبوز) حديثا شيقا لا يخلو من الفكاهة وقد نشر حديثه هذا في جريدة العراق بالعدد 187 لسنة 1989 ملخصه:
كان المرحوم نوري ثابت الكاتب الفكه والناقد الاجتماعي والسياسي الساخر، بقدر ما يثير بكتاباته الساخرة والهادفة للأوضاع السياسية والأحوال الاجتماعية المختلفة السائدة، الفرحة والبسمة في قلوب ووجوه مواطنيه المحبين لوطنهم، بنفس الوقت كان يُثير الحزن في قلوب المستعمرين ومن والاهم وناصرهم من السياسيين والعملاء. فهو يكتب بأسلوب ساخر مرح مستخدما النكتة اللاذعة والحكاية الشعبية البارعة والمثل الشعبي السائد، في نقاداته الاجتماعية والسياسية لغرض التوعية الفكرية والدعوة إلى الحرية والخلاص من العبودية الاستعمارية وكذلك المناداة بالمساواة الاجتماعية بالقضاء على الفقر والجهل والمرض والعادات القبيحة.. كان مثله في الكتابة كمثل الفيلسوف والممثل العالمي الشهير شارلي شابلن، في أفلامه السينمائية الصامتة منها والناطقة في فضح الاستغلال الطبقي للأنظمة الرأسمالية والكشف عن الوجه القبيح للأنظمة الدكتاتورية والفاشية.. والمتابع في قراءة ما كان يكتبه نوري ثابت في جريدته (حبزبوز) يجد المرء أنه كان يهدف ويقصد بنكاته المرحة وأمثاله الشعبية من أغراض اجتماعية ومرام سياسية ووطنية.. ولا عجب أن ينتهج نوري ثابت هذا الأسلوب في كتاباته وهو أحد طلاب الشاعر الوطني معروف الرصافي الفكرية ومن مريديه ومحبيه المخلصين، لهذا كان يعتبر الكتابة مسؤولية أخلاقية ووطنية تقع على عاتق أصحاب الفكر النير وحملة الأقلام الحرة النزيهة وعلى كل من يتصدى بقلمه ولسانه في معالجة القضايا العامة في الظروف الشاذة وفي ظل الاستعمار والاستبداد.. فقد دفع هذا الصحفي الحر الضريبة عن كتاباته النقدية التي كان ينشرها في بعض الجرائد الوطنية بأسماء مستعارة، تارة باسم (خجه خان) وتارة باسم (جدوع بن دوخه) ففصل من وظيفته التعليمية في وزارة المعارف آنذاك عام 1933 .. ولكن هذا الفصل لم يسكت نوري ثابت ويمنعه من الكتابة.. قام بإصدار جريدة وأختار لها أسم أحد الفكهين المشهورين في بغداد وهو (احمد حبزبز) صاحب المثل البغدادي المشهور (جفيان شر ملا عليوي)، وله قصة طويلة مع هذا المثل لا يسعى المجال هنا من ذكرها، فنعود ونقول أن نوري ثابت قام بتحوير أسم (حبزبز) إلى (حبزبوز) فصارت جريدته الفكاهية تصدر تحت أسم (حبزبوز) بدلا من نوري ثابت.. فكان اختياره اختيارا موفقا، لأن احمد حبزبز كان شخصية معروفة في الأوساط الشعبية بحسن الفكاهة وبداهة النكتة ولأن الجريدة في الأساس هي جريدة فكاهية تعني بالشؤون العامة وبأسلوب شعبي بسيط يفهمه الخاص والعام عن طريق سرد الحكايات والأمثال الشعبية القريبة إلى فهم القارئ البسيط.
فقد استخدم حبزبوز (نوري ثابت) مخزونات فكره من التراث الشعبي العراقي في معالجة المشاكل الاجتماعية الملحة وفضح الأساليب الاستعمارية الملتوية وخداع رجال الحكم والسياسة في تسيير أمور البلاد، فكان بهذا يدق إسفين نقاداته في جسم الاستعمار والتخلف الاجتماعي والسياسي من أول عدد أصدره من جريدته (حبزبوز) عام 1931 وحتى عام 1938 ، وهو العام الذي فارق في أواخره الحياة بداء السل وهو في ريعان شبابه الذي كان لم يتجاوز العام الواحد والأربعين. أورد هنا هذا المثل كشاهد على قدرته على استخدام المأثورات والحكايات الشعبية في الأغراض السياسية والاجتماعية التي يعالجها في كتاباته.
الحكاية الشعبية التي كانت سائدة آنذاك هي:
حبابه ما تكل شي
تاكل منين دبشي
تاكل جدر شيخ محشي
تاكل بستوكه طرشي
حبابه ما تاكل شي
الدبشي: هو الرقي.
ثم كتب حبزبوز معلقا ما معناه: أن الانكليز لا يريدون شيئا من وجودهم في بلادنا – كما يدعون – فهم كحبابة ما تاكل شيئاً سوى أنهم يريدون أن نضع قسما من أراضينا تحت تصرفهم لبناء معسكرات لجنودهم ومطارات لطائراتهم ويريدون الحصول على امتياز استخراج النفط من أراضينا لصالح شركاتهم ولمدة زمنية تزيد على نصف قرن لقاء حصة صغيرة للعراقيين وكذلك يريدون الأشراف على الموانئ البحرية العراقية والسكك الحديدية مقابل قروض تقدمها للحكومة.. وهكذا نرى بريطانيا قد حصلت على كل شيء وتقول الحبابة ما تاكل شي. وبهذا الأسلوب البسيط كان حبزبوز (نوري ثابت) يفضح أساليب الاستعمار ومن ساندهم آنذاك ونفذ مخططاتهم على صفحات جريدته الهزلية (حبزبوز)..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق