كنتُ مع
شقيقي رحمه الله , في شارع الرشيد حينما
رأيت (الأنضباطيه) لأول مرّه وهم رجال
الأنضباط العسكري اللذين يدققون في هويات المارّه بحثا" عن الهاربين من
الخدمة العسكرية , كان ذلك في العام 1976
, وشد أنتباهي تمنطق وجه كل واحد منهم بشاربين يكون أمتدادهما على شكل مستطيلين معكوفين ,
بامتدادهما متوازيين . الى نهايه ذقونهم
ممتدين , تسائلت يدفعني فضولي عن سبب حرص
(الأنضباطيّة) على أطلاق تلك الشوارب
فأجابني شقيقي : أنهم يستلمون من خلالها مخصصات , تدفع لهم نهاية كل شهر ,
فباردته بالسؤال : كم يستلمون عليها من المخصصات ؟ أجابني : يعطونهم 35
دينارا" , قلت مع نفسي : أنه مبلغ كبير يضاهي راتب موظف في ذلك الحين ,
هنيئا" لهم , وبقيت تلك الحكاية تتبادر الى ذهني ربما لغرابتها , الى أن فهمت
أن هؤلاء اللذين كنتً أحسدهم من (الأنضباطيّه) لم يستلموا دينارا"
واحدا" لأجل (شواربهم) وان أخي قد أجابني بناءا" على أشاعه أطلقت في
السبعينيات عن أصحاب الشوارب , وربما يكون للحكومة دورا" في نشرها , ففي تلك
الفترة كانت سياسة الدولة العليا ثوريّة تقود نحو عسكرة المجتمع العراقي لتجعله
شديدا" , جل رجاله متبخترين ,
بشواربهم مغترّين , مرعبين ....والغريب أن تلك الأشاعه سرت كالنار في الهشيم ,
فأول من قلّد (الأنضباطية) هم سوّاق سيارات الأجره خصوصا" سوّاق التاكسي في
كَراج العلاوي !!, الى هنا أنتهت الحكاية , لكنني أستذكرتها لموقف جديد حصل لي قبل
أيام , حين ألتقيت مع جمع من معارفي , فبادرني أحدهم بعتب شديد , أستغربته كثيرا" فعلاقتي به
لا تتجاوز اللقاء والسلام , مرّه او مرّتين كل عام , لكنّه كان مصرّا" على
ضرورة زيارته مرارا" وتكرارا" , فوعدته على مضض أن أزوره , وبعد مغادرته
أستفسرت عن سبب ألحاحه وتغير أحواله , أجابني الحضور : الا تعلم , فأن أبو فلان
يريد أن يكون شيخا" !! سألتهم : منذ متى , قالوا منذ فترة , أشهر أو أكثر ,
فنبهني جوابهم الى ظاهرة خطيرة , أراها كل يومِ وساعه , وهي أن الكثير الكثير , لديهم
هذا الطموح , بأن يكونوا شيوخا" , و لسؤ طبعي في البحث والتقصّي سألت أحد
الشيوخ الحقيقيين من اللذين عاصروا نوري سعيد والملك فيصل الأول فأجابني : يا أبن
أخي هؤلاء فيهم مركَبٌ يسيطر عليهم واللبيب بالأشارة يفهم , وكان جوابه
حكيما" يصيب جزءا" من الحقيقة , وليس كلّها , فالحقيقة كلها , هي أن
مجتمعنا العراقي يمتلك مزايا فريده تمكنه من التأقلم والأنتفاع من كل المقدرات
خاصّة مايتعلق منها بالأشاعات , فلربما هنالك أشاعه تقول : ان الشيوخ سيمنحون
مخصصات , بل أن بعضهم قد منح فعلا" , والباقي في الأنتظار , وراودني قلق أرعبني , فالرجال في مجتمعنا
سيتحول جميعهم , عاجلا" أم اجلا" الى شيوخ معظمين , والنساء سيكنَّ
زوجات وبنات وأخوات الشيوخ , فتصوروا حالنا , ونحن بلا عمال ولا موظفين , لا معلمين ولا شرطة ولا كنّاسين .... لا يمكن أن أتصور ذلك فهربت و تركتهم
للشيخة يتهيؤن !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق