الأطباء في العراق ملائكة الثراء على حساب الحياة – بمناسبة التصويت على قانون الصحة العام
مهنة الطب وردت في مفاهيمنا كأقرب وظيفة عامة لايمكن
الأستغناء عنها تتعامل مع الأنسان وكثيرا" ما تم وصفها (بمهنة الأنسانية )
فطالما أطلق على العاملين بها أسم شفاف هو (ملائكة الرحمة ) وبذلك كسبت
تلك المهنة قداسة روحية لا توازيها من حيث المكانة الا مهن قليلة وتبقى هي
المتربعة على عرش الأهميّة بمكان على مرالزمان
أكتشفنا بعد التجارب
الكثيرة المريرة أنها تتعامل مع الكيان دون الأخذ بالمشروع الكبير الذي
يتضمنه الأنسان فلا يوجد أطار يقاس به المخلوق البشري لنعرف قيمته فهو
مشروع رسالة و عطاء تتفاوت عنده معدلات العطاء و الأبداع بحسب الفوارق
الفردية من عمر وثقافة و براعة وثراء لكن الحقيقة الثابتة أنه (أي المخلوق
البشري) مهما كان متطرفا" نحو الوضاعة أو الرقي يبقى يمتلك حصانة فرضتها
كل القيم السماوية أو الأرضية والمتمثلة بحق الحياة مما يلزم الطبيب أن
يبذل كافّة السبل للحفاظ على حياة المريض و توفير هذا الحق الشرعي بكل
المواصفات وعلى هذا الأساس كان القَسَم الذي تمتاز به تلك المهنة فهي مهنة
ميثاق يفترض أن لايمارسها الا الشرفاء
حاولت خلال البضع سنوات الماضية
حل معادلات غريبة كانت مجموعة من الظواهر لم أكن أكترث لها لو كانت مجرد
مشاهد عرضية و لو لم تتكرر مرارا" لحسبتها حالات فردية يمكن أن تحدث كخروج
شاذ خارج النسق لكل نظام , لكن التكرار الممنهج جعل منها فرضيات أقرب
للحقيقة أسبغت الصفات المميزة التي أتناولها الآن قيد البحث .
القادم
الى مهنة الطب هم خريجو كليات الطب ومعهم الأسناد الفني الذي يرتقي أحيانا"
الى الجوهري من الصيادلة و المخدرين والتقنيين وقد سار العرف في غالبية
الدول أن يكون هؤلاء ممن يملكون معدل ذكاء في قمة هرم المعدلات جرى قياسه
من خلال أمتحانات البكالوريا المعروفة بدقتها وفق نظام التعليم المتبع
وبذلك يكون زملائها من المميزين يرون مكانتهم أعلى من الناس العاديين
وكثيرا" ماتأخذهم العزّة ولا أقول الأنا بأنفسهم ليترفعوا ليبرز مركب
أستعلاء واضح أذ اما رصدناهم من وجهة نظر أجتماعية تأخذ في الحسبان كل
الطبقات , ولذلك يكون الأطباء و أعوانهم متكبرين ولو نسبيا" و تلك نتيجة
أجتماعية يمكن أن أعززها بالشواهد الكثيرة أذا ماتطلب الأمر فتلك علّة
جديرة بالتقصي بهدف الأنصاف
ورغم هجرة الكثيرين من أرباب تلك المهنة
بسبب الظروف السياسية أو الأقتصادية لكن جميعهم متمتع ببحبوحه من جهة
المستوى المعيشي قامت الدولة بأسنادها من خلال المرتبات العالية و كذلك
المجتمع الذي دفعته الحاجة ليدعم ( مجبرا" لا بطلا" ) هذا القطاع , عيادات
خاصة و مستشفيات أهلية حتى وصل الأمر الى أن يطلق الناس لقب طبيب على ممرض
لديه عيادة بسيطة في زقاق , مما حدى بالراغبين بالعلم أن يتركوا كلّيات
الهندسة و العلوم و الآداب و التربية ليلتحقوا بالمعاهد الفنيّة من أجل
الحصول على شهادة الدبلوم تخولهم فتح عيادة عرفيّة لا رسمية وضمان وظيفة
في أحد القطاعات الصحيّة لأن التعيين فيها مستمر بل ذهب البعض بعيدا" حين
أرسلوا أبنائهم الى الخارج ليحصلوا على شهادة البكالوريوس من أوكرانيا
وغيرها يصل سعر التكلفة للحصول عليها أكثر من خمسين مليون بل تتعداها الى
المئة مليون , وتلك هي الصورة الحقيقية الناتجة من متغيرين أقرب للثبات
خلال البضع سنين الأخيرة وهي ( الحاجة الماسة لدى المجتمع) و (طريق الثراء
السريع لدى العاملين في مهنة الطب)
أستعرض هنا بعض الصور التي تتحول رغم
قلتّها الى ظواهر كونها تحدث في قطّاع ضيّق يختصر ببضعة آلاف من الأشخاص
في وطن يبلغ تعداده أكثرمن 32 مليون أنسان
أكثر من معاون أداري في
مستشفيات كبرى عبروا عن أستيائهم من متلازمة باتت تؤثر سلبا" في أداء تلك
المؤسسات وهي قلّة الكفاءات من حيث العدد والأختصاص رغم أكتمال المؤسسة
الوزارية حين نقيسها وفق النظام الأداري للسلطة المركزية (الوزراة) بحسب
تأكيدات المسؤولين عنها مما يعطي أنطباعا" يلوح من بين التناقض في
التصريحات ليبرز مؤشر خطير عن سوء ألتزام من قبل أرباب مهنة الطب في البلاد
و تتضح الصورة أكثر أذا ما أخذنا الوقائع بالحسبان ( أنفجار بسبب الأرهاب
قتل فيه خمسة عراقيين و الجرحى ممن قرر الأطباء بقائهم في المستشفى كانوا
30 توفي منهم 17 فيما بعد وعلى فترة شهر تقريبا") لوكانت الأمكانيات طبيعية
ربما لم يتوفى نصفهم أو ربما بقوا جميعا" على قيد الحياة أذا ما قارنّا
أنفسنا بأمكانيات مستشفى في ألمانيا مثلا" (والله أعلم)
كذلك الحال مع
المرضى العاديين فأمكانيات العلاج والجراحة لازالت بدائية و أتمنى أن يطلع
الرأي العام على أحصائيات دائرة الطب العدلي في عموم العراق فهناك شكوك
تنمو من جهة أن القائمين عليها زملاء لأرباب مهنة الطب و يتأثرون حتما" بهم
وتربطهم علاقات لتخرج شهاداة الوفاة و التقارير متنصلة عن كل مسؤولية قد
تدين أحدهم مادام زميلا" لهم في نفس المجال و كثيرا" ما وجّه النقد الى
الجهات المركزية لأخفائها الأحصائيات المعززة بالأسباب , ورغم كل الطمس في
الحقائق لكن النتيجة ستكون مهولة حين تستخدم لغة الأرقام .
حدثني معاون
أداري في مستشفى جمهوري ليكشف جانبا" من الحياة اليومية للأطباء و أرباب
الصحة , قال: حياتهم عمل مستمر من المستشفى صباحا" الى المستشفيات الخاصة
ثم العيادات ثم عودة الى المستشفيات الخاصه حتى ساعات متأخرة من الليل و
هكذا هم يعيشون , حتى بادرته متسائلا" : بوركت جهودهم فهم يصنعون الحياة
على حساب أنفسهم , متى يأكلون ويشربون و يصّلون ومتى يرعون عوائلهم وهل
يمارسون التأمل والحديث والحياة كما يحيا بقية الناس , أجابني : لا أخفيك
سرّا" أن الغالبية يلهثون خلف المال والثروة , لايكترثون لبقية الأمور لكن
فيهم أيضا" الشرفاء ممن منحوا تلك المهنة هالة من القدسية المتشحة
بأسلوبهم الراقي في مساعدة الفقراء والمحتاجين من خلال عملهم المجاني أو
الدعم المالي لآخرين ليسوا مرضى , تخيلت المجموعة الجشعة منهم كأنهم آلات
من دون روح تشفط المال من مجتمع مرهق ومثقل بالمعاناة أما المجموعة الخيّرة
فهم ملائكة الرحمة دون أي زيادة فهذا الوصف يغني عن كل وصف جميل تزدان به
أنسانية الحياة
فالصحة حاجة وصاحب الحاجة أعمى أختصرها بحكاية جرت
عندنا حين منح أحد المرضى الأغنياء كل مايملك من عمارات وبيوت ومال لطبيب
كان يعالجه على شرط الشفاء ولكن لم يفلح الطبيب في علاجه فمات (أنتهت
الحكاية ) فالقدر هو من يقرر بعد بذلكم ما تملكون من جهد و ذكاء
المراقب
لحال الطب والواقع الصحي يمكن أن يتصور خطئا" أن أسباب التردي يقع على
عاتق الأمكانيات العامة للسلطة كواقع تفرضه الموازنة العامة و السياسة
العليا للبلاد , لكن المتعمق في البحث سيجد أن هنالك ميزانية هائلة ترصد
سنويا" و أن الدولة لا تتوانى عن توفير كل مامن شأنه الأرتقاء بهذا القطاع
خصوصا" وهو من الأهمية الستراتيجية التي ترتكز عليها أسس الدولة بالمفهوم
العام فالأمن الصحي يغلب حتى الأمن الأجتماعي والسياسي في الأولوية كما نرى
في كل الأزمات لما يمكن أن يسبب هونه من دمار
يقول الفقهاء أن المختص
ملك في أختصاصه , فحتى القاضي و الوزير أو أي مسؤول مهما كان يرضخ دائما"
لقرار الخبير المختص , فالأطباء مختصّون ولايمكن أن تناقش قراراتهم حيث
تؤخذ تقييماتهم دوما" كرأسمال في أي قرار , و من هذا الجانب يبرز دورهم
الكبير و مسؤوليتهم الخطيرة بالنهوض في قطّاع الصحة و حياة الناس , نهضة
ترتقي بالواقع المؤلم والذي لايشعر به الا المطلعين عن كثب على حال صالات
العمليات و الأنعاش و الطواريء من حيث الأقامة أو متابعة الحالات ضمن
الأختصاص ومما يزيد من مسؤوليّة الأطباء الآن هو بروز قادة سياسين أرتقوا
أرفع المناصب (الرئيس جلال طالاباني و أياد علاوي و الجعفري وحنان الفتلاوي
وغيرهم الكثير من المسؤولين و النواب ) وبغض النظر عن النجاح أو الفشل
لكن وجودهم يمنح مهنة الطب مكانة مميزة يكون صوتها مسموع في كل الأطراف
رفقا"
بنا يا أهل الصحّة من أطباء و معاونين و مخدرين و صيادلة وأدارات فأرواح
الناس أمانة في رقابكم فأخلاصكم و مجهودكم الحقيقي هو وحده من يمنحكم
الحصانة من أستياء الناس ولتكن الفكرة العامة عنكم أفضل مما نرى الآن
وهنيئا" لكم أقرار قانونكم الذي سيفيدكم حتما" , يفرحنا أن تكونوا أرواحا"
متفاعلة بارعة تحنو على الأنسان ويؤلمنا جدا" أن تتحولوا الى آلات مجردة
لشفط المال
تريدون حصانة ؟ نحن أيضا" نريد حصانة , و الثقة وحدها من تحصننا جميعا" ضد كل مشكلة أو خلاف ... والسلام ختام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق