الجمعة، 15 أغسطس 2014

حكاية من الثمانين !

الزمان سبات في آخر الليل والمكان بلاد الوشايات والغزوات والتطبيل , حدث ذلك حين أتصل الرئيس بوزير الأعلام آنذاك وقال:
(عندك ذوله اللي تسمّوهم فرقة الريف ُأشو من زمان ما مشاركين بالمجهود الحربي وما جاي أشوفهم بالتلفزيون , سوّيناهم موظفين و أنطيناهم رواتب وعفيناهم من الجيش , سمعت مخلصين وقتهم بالمكسرات , البارحه شايفينهم ربعنا تالي الليل, رفيق أبو أنمار لخاطرك راح أنطيهم فرصة يوم واحد بس , خلّي نشوف نشاطهم , وأذا ما بيهم نفع , عجل ياباه سووهم قاطع جيش شعبي وأخذوهم للبسيتين) .
جفّت الأقلام وطويّت الصحف فلا نفس بعد صوت الرئيس
كانت الجبهة مشتعلة خصوصاً البسيتين في النصف الأول من عقد الثمانين , كان فيه هجوم عنيف جعل الخبر ينزل على الهواتف الأرضية للمتهمين (قيد الوشاية) , نزول (الكومبريسر) على الأرصفة عند (التفليش) , لم يناموا في تلك الليلة وأجتمعوا في بيت أحد الفنانين , لم يجرؤ أحدهم على مناقشة الموضوع , قريحتهم الغنائية تفتحّت قسرياً لوحدها يحبوا بها حب البقاء لهؤلاء المرهفين المساكين, لتنفجر مثل البركان من الكلمات والأغاني والألحان , الملحنون جهزّوا في ليلة واحدة مقطوعات أطول من سمفونيات بيتهوفن و موزارت و باخ , الشعراء أبدعوا في قصائدهم بعد أن أنقذهم الكم الهائل من الفلكلور أقصد التراث خصوصاً الهوسات و العراضات و أراجيز الملّايات والدراويش , لم ينم حينها سكان قطاع (خمسه وعشرين) حيث البيت الذي أجتمعوا فيه , بسبب المواهب المنفلقة مع الضجيج , وبعد أكمالهم للتحضيرات أنطلقوا مع الغبش الى مبنى الأذاعة والتلفزيون في الصالحية من دون أفطار وهم يرتدون الزي الرسمي للفرقة من يشماغ أو غترة مع عبائة وعقال , فالأمر أخطر مما يتصوّر القراء , أما نجاة (الكبيرة وليست الصغيرة) أو (نقيب مع تكريم) , والأخير تسمية تطلق على الشهيد بعد أن يلف (عادة) بالعلم المكون من ثلاث نجوم ليحصل ذويه على سيارة (كرونا موديل واحد وثمانين)
سجّلوا في ذلك اليوم ستة أناشيد وطنية , مع ثلاث أغاني فردية و أوبريت , كل العاملين في الوسط الفني شعروا بالتوتر الفاضح على وجوه أعضاء فرقة الريف حين شوهدوا على شاشة التلفزيون , حتى أعتقد المشاهد بأنه أمام شكل جديد لتلك الفرقة المليئة بكبار السن , فهم رغم عدم حلقهم لـ لحاياهم كانوا مليئين بالحماسة , ولم يعرف أحد حينها أنهم كانوا صاغرين لأمر دبّر بليل , أتذكر أن أحد أصحابي (أياد السامرائي الله يذكره بالخير ) شدّني الى شاشة في مقهى قريبة من جامع عادلة خاتون ليريني كيف تحولت تلك الفرقة الى كتلة نشاط , حتى أن الواحد منهم يريد أن يلتهم المايكرفون ويتدافع مع الذي قبله وكأنهم حصلوا على (نص بالدولة) على حد تعبير ذلك الصديق , دعونا نعود لعبد الجبار الدراجي وفرقته الفنية , لم يكتفوا بما فعلوا في ذلك اليوم المشهود بل أستحلفوا مدير التلفزيون أن يبث أعمالهم على مدار الساعة و يعيدها في اليوم الواحد مرات عديدة وأنهم سيبقون متوثبين لأنجاز أعمال كثيرة سيرفدون بها المجهود الحربي تعزيزاً لمايفعل الجنود ولن يبارحوا المبنى الا للصلاة و الذهاب لفواتح الشهداء من أقربائهم , كانوا فعلاً قد ألتزموا بالعبادة وأعلنوا توبة سريّة بينهم وبين الله , بعد ما طرأ عليهم من خوف يستدعي تحضير أنفسهم للموت فهو قريب , أما في الجبهة أو بعد عمر قصير أو طويل , فالكل يموت في نهاية الأمر , وفعلاً توفي الكثيرون , (موت الله) وليس من (عبد الله) فالأخير مكروه وهّذا عندنا عرف معروف , مؤلم أن لايسعنا المكان لنذكر أسماء تلك الفرقة , فلكل فرد منها حكايات طويلة , والأختصار هنا لم يأت من باب الخوف من الأجتثاث و التهميش , بل مصدره طبعنا في الأجحاف والتدليس , فهم مواطنون أدوا رسالتهم سواء مجبرين أو مخيرين , نفخر بهم رغم أنوفنا , يشفع لهم رصيدهم الرسالي الثري الذي تحول الى زوادة ذكريات لذيذة تخفف عنا في عصرنا المأبون الممنوع .
تلك الواقعة لم نرد منها التأليب على ما نرى من تحشيد قسري يقوده سلطان عقائدي ليسود به على خصومه الكثيرين , ولا نقصد منها أن نستعرض ما كان يحصل مع مايحصل الآن من توجيه , أنما هو تذكير لما يلاقي المبدع من تجاهل حتى ساعة حشد وتطبيل , يبقى الأغلب منهم مركونين , وعند الحاجة لهم يبيتون مثل السمك مأكول مذموم , وذلك مايحصل على مر السنين , لم يتغيّر من المشهد سوى شكليّته التي فرضتها الظروف , حيث كان السلطان يعاقب من لايراه مفيداً لمشاريعه بأن يخرجه من الحلقة الضيّقة المترفة ليرميه مع القطيع , أما اليوم فقد تغيرّ الأمر , فالعقوبة الشديدة يتلقاها المرء بمجرد الخروج عن القطيع , يعتبرها البعض مؤشراً لزيادة أعداد الجهلة أمام المثقين , ويقسم آخرون أنها ثمرة الديمقراطية التي تجعل الناس متساوين ! , وأمام تلك الرؤى المتضاربة لا نعرف الا حقيقة واحدة , وهي أن المواطن (خصوصاً المميّز المبدع) يبتلى دوماً بما يجنيه عليه السلاطين , فهم في أبراجهم العاجية متنعمين فيما القطعان الى حتفها تسير , أبحثوا عن كل ماترونه مناسباً من وصمات أو مثالب كما تفعلون دوماً حين تأتون بالفتن والشقاق من بطون التاريخ , لكنني أتوسلكم لمرات عديدة أن لاترموا بتبعات طرهاتكم على المواطن المسكين ,فالأحداث الجسام يديرها دوماً أصحاب القرار ولذلك نسميهم مسؤولين , فمن غير المنطقي أن يتنصل أحدهم مما يفعل ليخرج سالماً كما الشعرة من العجين , ومن غير الأخلاقي أن يدفع المواطن الجزية والدم و العمر بذريعة أثم الأريسيين , الزمن تغيّر ليس عندنا فقط , والقطعان المثقفة وليست الجاهلة هي وحدها تصنع المصير و تقوم بالتغيير كتحصيل حاصل وإن كره المتسلطين, و عساكم سالمين


أصطعيس دمر البلاد

لا أخفيكم بأنني تصورته ضابط مخابرات أو مدسوس من أحد الأحزاب يحاول أستدراجي بهدف الأيقاع , حصل ذلك حين جلس بقربي رجل الدين (أبو حوراء ) وبدأ يكيل الشتائم للمفسدين (من الصوبين) من دون أستثناء , ليحملهم أسباب الخراب معززة بالوقائع و المعلومات التي لم نسمعها حتى في الأخبار , في مشهد غريب بالنسبة لي أسترسل يشخّص مواطن الخلل وكأنه مثقف خبر كل شيء بأرقى طراز , هاج منتقداً أسس بناء الدولة وكيف حاد عنها جميع دعاة السياسة بأقتسام المؤسسات فيما يسمى المحاصصات , وكيف أغتالوا الوطن وأمتهنوا الناس بالتفرد بالمال العام مع كل المقدرات , حتى أنهم تقاسموا الشعب طوائف متصارعة ليبقوا في السلطة الى ماشاء الله , ردد طويلاً مقولة (العدل أساس الملك والظلم خراب البلدان) , حمّل المجتمع بكل أجزائه مسؤولية التداعي والأنحطاط , هاجم بعض رجال الدين ! والصحفيين والمعلمين و الكتاب بسبب تبعيتهم للعابثين من شتى الأصناف , مافاض به من مرارة بدافع الحرص على البلد جعلني أبرئه بدقائق من تهمة التجسس و الأستدراج , الرجل أعرفه من زمان , يتبع مؤسسة دينية مهمة وبيننا سلام وأحترام , ألاقيه مرّات عديدة في الشهر بحكم العمل والألتزامات , لكنني كنت أتحاشاه لأنني وبصراحة أخشاه كونه (رجل دين) , فهو بنظري لايختلف عن غيره من أرباب تلك المهنة المتنعمين بالحظوة وسعة العيش مع السلطة اللامحدودة و المكتسبة من الأحزاب الدينية التي أستولت على الحكم في البلاد , لم يميزه عن غيره سوى أنه (أفندي) يرتدي بدلة وقميص بدون عمامة و صاية و سروال , هكذا كنت أراه , أضف أليها أن لرجال الدين هالة من رهبة تجعل المرء يتوارى من بين أيديهم مبتعداً خشية أن يقرأ أحدهم مافي رأسه من أفكار , فكل مانعرفه عنهم أنهم لا يرضون بأدنى من الطاعة العمياء فكيف بي وأنا المتمرد المشاكس الذي يعتبرهم أناس عاديين لايختلفون عن باقي خلق الله , بل أنني تماديت في نقدهم لأجاهر بمقتهم بعد أن تخندق أغلبهم خلف ساتر دافعين أتباعهم لقتال فريق آخر من أبناء جلدتهم دون أسباب , لم يتوانى صاحبي (ممثل المرجعية) عن أصراره في أيصال الفكرة رغم أن المستمع أليه (محسوبكم) شخص مغمور لا يؤثر في نملة أضاعت طريقها في رحلة لعدة أمتار , وبعد أطمئناني له باركته على عمقه وألمامه بمواطن الخلل في الواقع العام بعد أن أبدى آرائه بموضوعية في كثير من الأشياء , هل أن المرجعية تؤيد الدولة المدنية بادرته بالسؤال فأجاب : المرجعية تريد الخير للناس بما يرضي الله , لكن بعض المنتعفين ذوي الأغراض الخاصة صوّروا للعامة بأن المدنية تعني العلمانية و الأخيرة تحظر الأديان , لكنني (والكلام لأبو حوراء) على قناعة تامة بأن الدولة المدنية وحتى العلمانية هي أرقى سبل الحياة تعطي أفضل حرية لممارسة العقائد والأديان , بها يتساوى الناس يسودهم السلام تحت خيمة القانون و أحترام حقوق الأنسان وذلك بالضبط ما أراده الله .. تكلم طويلاً حتى فغرت الفاه , تشجعت فسألته , ماذا عن رجال الدين الذين يصدّعون رؤوسنا ليل نهار بغرائبيتهم البعيدة عن الواقع أولئك الذين ينشرون التخاريف و الدجل و يفرحون للقتل والأبادة والدمار , ماذا عنهم مولاي أبو حوراء , أجاب مع أبتسامة خفيفة كتلك التي يكتمها رجال الدين حرصاً على الوقار :
سأختصر لك الأمر بحكاية جرت على لسان الفيلسوف صدر الدين الشيرازي رحمه الله يقول فيها :
كان هناك شخص براغاماتي أسمه (أصطه عيسى) دعي غامض يسوّق للناس على أنه رجل دين يرتدي مايرتديه الأخيرون رغم أنه لايعرف شيئاً عن دينه أو بقية الأديان , كل مايفقه به ترديده لكلمات مبهمة عصت على كل المختصين في اللغات , وحين مات وأرتفعت روحه بين الملكين منكر ونكير سألوه من هو ربّك , أجابهم : أصطعيس فوق أصطعيس
سألوه مراراً وتكراراً عن ربه : كان الأجابة واحدة في كل المرات (أصطعيس فوق أصطعيس) فأحتاروا في أمره و حسبوه مجنوناً فأرسلوه الى المكان الخاص بأصحاب الأعراف
مختصر مفيد أن جماعة (أصطعيس) دمروا البلاد .. أودعناكم أخوان . 

 

القطة تأكل أبنائها للمرة الثالثة

معايير الناس وجهات نظر , أن يبدي صاحبي (سيّد حسين ) رأيه في (الوضع) ليس كما يعبر عنه صاحبي (روكان) في (حصيبة) أو صديقي العتيد (سلمان) الساكن في حافات المياه في قرية البدو
سيد حسين يرى الدنيا ربيع والجو بديع وإن كانت بغداد تحترق , مادام يتلقى مايريد محمياً بقوات و يمتلك مئات الآلاف من الدولارات فالأمر يستحق خصوصاً حين يختم الشهر في باريس كي ينتعش أو يذهب كل شهرين الى ديترويت ليكمل بناء بيته الجديد حيث سيستقر في نهاية الأمر , لم أصدق كل ماقال ذلك المبدئي الحامل للجنسية الكونية في آخر مرة لاقيته , فهو على الدوام يتكلم ضاحكاً , عن أنه سيتقاعد بأي لحظة ليكون(شكسبير مشيغان) التي ستصبح بعد بضع سنين محافظتنا السابعة عشر , ( قل العشرون مولانى لا تفاولنا بروح جدّك) , يضحك مجدداً !
أما روكان فالأمر عنده مختلف , الدنيا بنظره مشوار يسوقه بسرعة نحو القبر , أضطر الى ترك سلواه في زراعة الفستق بعد سلسلة المداهمات اليومية للعصابات المنفلتة , أولئك الذين يرفعون شعار (أنت عدو لنا مالم تكن معنا) , أخبرنا في آخر مرّة رأيناه في مقهى الشواكة حين جلب لنا آخر (صوغة فستق) أن جميع أهالي قضاء القائم رهائن عند تلك (المزعطة) وفوق تلك البلوى تأتي قوات ملثمة لتنتقم منّا , يضحك كثيراً حين نمازحه بأنه صار واحد منهم , أولئك الأرهابيين كما تصفهم الحكومة المتوترة , أقصد الموقرة , يجيب ضاحكاً : لن أخلص منكم حتى لو تحولت الى عذراء داخل شرنقة !
سلمان هو الآخر مثقف رغم أنفه , جنى عليه كولن ويلسون كما يدّعي , فلم يشفع له (العقال) وصديقاته (الأبقار) كي يكون بمنئى عن أن يكون مختلف , فقد نزل خلال آخر عشر سنين من مرتبة القرويين الى آخر درجة في سلّم البدو , يرتحل على الدوام من بابل الى كربلاء يجوبها بحثاً عن عمل , لم ينتهز الفرصة ليكون شيخاً في مجلس الأسناد , كان سيتلقى مبلغ خمسمائة ألف لو أستقر في بابل , بل كان سيحصل على مليون وربع لو كلف نفسه وتحمل السكن في بغداد الصامدة , مبالغ كانت ستأتيه بدون أي جهد , أستنكافه جعله مفلساً , ردد ضاحكاً بطريقة الهمس بعد أن نسي مصطلحاته الفلسفية التي أشتهر بها : الثقافة شارة من أبو منارة ونياله الما عنده عقل ويفكّر !
حلقة ضيقة من أربعة , نتواصل كل بضع سنين , مختلفين في التملك , متشابهين في الكينونة والضحكة والحلم , بهم تختصر حكاية جيل سابق يكاد ينقرض , كلما أستذكرت قصة واحد منهم أبقى أدندن مع نفسي (چذاب دولبني الوكت) لأتوه بعدها وأنا أحاول تفسير ظاهرة ألتهام المجتمعات لأبنائها , وكيف تحبذ أن تبدأ بأكل اللامنتمين العفويين فهم عندها الوجبة السهلة غير الممتنعة .
ربما يكون الخلل في المباديء نفسها , أو أن المباديء مثل (فستق روكان) لا تعيش الا في بيئة ملائمة , أو أنها تصيب متخذها بداء الفرار الذي أصاب ( حسين وسلمان) وجعلهما ينفران من البيئة الموبوئة غير الآمنه دون أن يكملا رسالتهما التي أفنوا لأجلها حياتهما , أما التفسير الموضوعي الأقرب للحقيقة فهو ( تضاؤل نسبة هؤلاء أمام الغالبية المرتزقة) والدلائل القريبة تؤكد آخر تفسير لنظريتي الغير موسومة وهنيئاً للفائزين في أنتخاباتنا ! 

 

أستغاثة من الهنود الحمر

مبردة عتيقة , أكياس ملابس مستعملة , أواني وأدوات منزلية فائضة , قراطيس و حقائب ملئى بمستلزمات المدرسة , ومبلغ بسيط يبلغ أربعمائة ألف و خردة , كان كافياً ليرسم أبتسامة على وجوه سبعة أطفال وأمهم الأرملة , رافقتني في رحلتي أمرأة فاضلة هي نفسها التي كشفت قصّتهم لنا , أخذتها معي لتسلم الأمانة وتكلم الأم فهي في (عدّة) مستمرة , خلف جدران الطين متوارية , ولا أخفيكم ما عانيت من الضجر , فالطريق الى قرية الشريفات (هكذا أسمها) مليء بالأنهار والحفر.
لنعرج قليلاً على المكان , سميت القرية بأسمها كون أغلب سكانها يتبعون عشيرة تحمل نفس الأسم , نزحت الى العراق قبل ألف سنة قادمة من اليمن تعود الى قبيلة (شمّر) , كان لها الفضل كما باقي القبائل الوافدة في الأبقاء على كيان الوطن بعد محاولات للأجهاز عليه على مر الزمن , أبتداءاً من تدمير بابل وآشور ومروراً بأنهزام حكومات المذاهب الأربعة , حاز أفرادها على الهوية ليكونوا سكاناً أصليين دون شك أو جدل , جلهم يعيشون من أجل البقاء تحت خط الفقر كما أغلب شعبنا
الأمر بالنسبة لي وبحسب التقييم البغدادي مجرد (حلاوه بجدر مزروف) فتلك الأشياء أرسلها فاعل خير أعرفه (دكتور يرفض دوماً الأفصاح عن أسمه) كلفني أن أوصلها بعد سماعه لحكايتهم دون ثرثرة , خلاصتها :
مات أبوهم بأحد طرق الموت الفجائي المتفشيّة في البلد وتركهم دون أي سبوبة تنقذهم , ولكوني بريء الوفاض من تهمة الأستعراض وداء الرياء في تلك الحكاية , كتبتها .
منظر الأطفال وهم ينزلون الأغراض أخذني الى لحظات لن أنساها أبدأً , عدت بها لزمن بعيد في العام الرابع والسبعين من القرن المنصرم حين حصلت على أول كراسة رسم و أقلام ملونة , بل أن مستوى الفرح عندهم ربما وصل الى اللحظة التي صار عندي فيها درّاجة هوائية لأول مرة في الستة وسبعين من نفس القرن المزدهر , كبيرهم ربما كان في العاشرة , بادرته في سؤال لأشباع فضولي :
كيف تأكلون ومن أين تشربون , أجابني فرحاً وهو يحمل حقيبته التي أستلمها :
لدينا أربع دجاجات تبيض , ومعها الحصة (يقصد المواد التموينية القليلة التي تمنحها الحكومة ) يجلبها لنا (العرب) , كانت عندنا بقرة بعناها من أجل (الفاتحة) , أقاربنا ساعدونا فيها والا كنا بقينا مطلوبين طول العمر , البركة بــ (أهل الرحم) ..كان ذكياً عرفت ذلك من طريقته فهو يتكلم بحكمة وأقناع وكأنه شيخ البدو.
أيعقل أن يوجد في بلد نفطي يتشدق حكامه بالديمقراطية , هكذا سكان منقطعين عن العالم بهكذا أفلاس وفقر ؟
من المؤلم أن نقول نعم , وهم كثر , في قلب بغداد بعضهم , أما غالبيتهم , فهم على أطراف بغداد وكل محافظاتنا !
كان في ذهني سؤال حمّلته للمرأة (صاحبتنا) كي توصله الى الأرملة :
لماذا لم تستعينوا بشبكة الحماية في الدولة , أو حتى المنظمات كي تنقذكم , جريمة أن تمنعي أطفالك عن المدرسة بسبب الملابس و الدفاتر والكتب !
كان جوابها : نحن لا نملك فلساً والمراجعة للرعاية تحتاج أجوراً للسيارات والمعاملة ولا نعرف أحداً فيها ولا أحد يعرفنا
في طريق العودة الطويل لا أعرف السبب الذي جعلني أتذكر الهنود الحمر و كيف أنهم يمرضون ويموتون بسرعة بمجرد أقترابهم من المدن , لو راجعت الأم دائرة الرعاية ربما ستنقل لأبنائها وباءاً يقتلهم , من المفرح أنهم سيكونون أحياء لعام كامل , فقد أقسمت الأم أن المبلغ الذي سلّمناه لها سيكفيهم لمدة سنة !


رسالة في زجاجة مكسورة

لاتستغربوا حصول بعض الوحوش على أصوات بمئات الآلاف فالأمر عندنا معتاد لايستدعي (أتجاهات) ولا تدريب , وكل مندهش عليه أن يعود بالذاكرة الى أستفتاءات الـ (تسعة وتسعين وتسعة بالعشرة) ليعلن أفلاسه بادئاً في قلب جيوبه عسى أن يقفز منها قالب (سنيكرز) ينقذه ليعود الى رشده ويكمل باقي عمره متوارياً خلف قطيعه , فالتغيير في أقوامنا أصعب من زراعة نخلة في صخرة صماء وسط جزيرة تحيط بها أفاعي تكره حتى نفسها , تأخذنا الى مغامرات سندباد , حين يصاب بالأعياء ثم الأغماء ليصحى بعد اليأس و تنقذه سفينة , ذاك كان سندباد , أما ديدن (ريمه) فهو حنينها الى عادتها القديمة بالردح للسلطان الملتصق و خاتونه الخبيرة مع صبيانهم المرخصين بالقتل أؤلئك الباحثين في جيوب الموتى , فقد أزدهر عملهم , فهو اليوم الأيسر سبيلاً في مجتمع نصفه ميّت و نصفه الآخر مات سريريّاً بعقائده العقيمة , سيروا على أطراف أصابعكم و لا تصدروا أصواتاً فالخير مثل أعمارنا يحتضر ومعه البشر و الصبايا و العصافير والجميع يحفر في التراب والوطن قاب قوسين ,أشد مانخشى أن يكون مسخاً شريراً.
أستعيذ بألله من الكفر بالأمل والدستور, ومن تهمة القصور لهذا الشعب الصابر , فترانيم سومر ومناقب آشور تكفي لتحصنني من ثعابين الفطائس ومعها الرقطاء قاطعة النسل ذات الحور الناعس , ألهي طهّرني من وساوس الشك تلك التي منذ ليال طويلة تراودني , بأن الأفاعي المخضرمة نفسها , نالت منّا هذه المرة وثقبت مؤخراتنا بثلاثة لدغات كاملة , لنوصم بالخزي كشعب بستة ثقوب لايستوعب الدروس المتواصلة , عد الى العقل و أقتنع بأن الديمقراطية طفلة بجدائل عندها أحد عشر سنة , رغم سفك دمائها بالأغتصاب (لا الطمث) ستتعافى حين تجتاز المراهقة لتهزم الأفاعي ومعها جرذان السراديب و جرابيع الدبدبة.
الديمقراطية سادتي وللمرة الألف أقولها لم يتفضّل بها أي من سعالي الساحه الذين ثقبوا أيضاً رؤوسنا , بجهادهم في السياحة والأستجداء والعمالة للأجنبي , بل هي صفقة قسريّة منحها غزاة لنا بعد الأيغال في قتلنا , كان ثمنها غال , جبل من الجماجم ومعها بحر بروافد مستمرة من دمائنا , هي ديمقراطية أستحقاق العراق وليست مطية لجوقات أرتزاق بائسة , هم غربان , غرباء , مصيرهم مزبلة مجاورة , أما الوطن فسيبقى كما بقي سبعة آلاف سنة أنتهى و لن ننتهي , فليكتب التاريخ ذلك . 

 

قفّصَ يقفّصُ تقفيصْ

القفّاص مفردة عراقية نتصورها عامية دارجة لكن أصلها فصيح , ومن يتفاجأ بتلك المعلومة سأقنعه وأزيده من البطيخ (شيف) فقد وردت مفردة (قفيص) في المعجم الوسيط , ذلك القاموس العتيق الذي نجى بأعجوبة من وباء التسقيط فالناس لازالوا متفقون عليه , يقول المعجم عن (القفيص) بأنه قطعة معدنية تثبّت المحراث على الدابّة , حصان أو ثور أو حمار بطريقة محكمة يصعب معها التملّص و الهروب , ولتلك المفردة تاريخ مخجل فقد كان أصلها (تقفيز) وهو أحد أنواع جماع الأستبضاع (أجلكم الله) تكون الضحية فيه مجبرة على الرضوخ للأنسان والبغل وحتى البعير شاعت في عهد الدولة الجاهلية وأزدهرت أيام دولة المؤمنين , فقد أتخذها ذوي الأحتياجات (الماصّة) من الطفيليين ليجعلوها مهنة يشار لها في كتب التاريخ , فمن منّا لا يعرف أشعب و بنان و جرذان الموائد المخضرمين , ضحاياهم دوماً البسطاء حين يبيعونهم الكلام الذي يبلغ ثمنه ( لا شيء) يسعون من أجل لقمة أو كيس دراهم أهدافهم مجالس الأنس وحفلات المجون للميسورين , ثم عادت تلك المفردة للتداول في القرن الماضي بهيئة أخرى وهي تتبع نفس الجذر (قفّص , يقفّص , تقفيص) فقد أحيا ثراها الثوريين بعد نجاتها وهي في آخر رمق من الأقطاعيين , فعاصرها قدماء الفلّاحون قبل قرار التسريح ومعهم العمال قبل تحويلهم الى موظفين, فلتلك المفردة هالة حنين فطرية عند العراقيين بحيث أنهم أطلقوا أسمها على القطعة الرئيسية لمحراث الساحبة (عنتر سبعين) أيام جفاف الفرات في العام خمسة وسبعين , وبما أن الزمن سهم بأتجاه واحد فقد تغيرت الكثير من الأمور بالنسبة لهذا المفهوم , فـ(القفيص) صار شكله دائري الآن , يُطبق على الأنابيب أبتداءاً من ميناء جيهان التركي وحتى خور الزبير ليمنع القطرة من أن تتسرّب خشية أن تصل الى جيوب المساكين , أمر آخر تغيّر فقد صار (للقفّاصة) نقابة وأدارة وتنظيم بحيث شملت في عضويتها الأمراء والسلاطين , أما بضاعتهم فهي الأخرى تغيّرت , فبعد أن كان أرباب تلك المهنة يبيعون الكذب الأبيض الجاهز الذي يجلبوه من الحانات والمواخير ,صار أحفادهم اليوم يسوّقون الوهم على أنه دواء شافٍ للعليل و يبيعون التعاويذ الجالبة للذباب الأزرق على أن فيها النجاة و جميل المصير , االغريب أن (قفّاصة) العصر يسوقون الموت الأسود كل يوم ليسلبوا آخر شيء يملكه المواطنين بعد أن سلّم الشعب نفسه ورفع راية الخنوع منذ عقد ونيف , أما الأغرب من كل ذلك والذي يجعل الشعر يشيب أن جميع (المقفّص عليهم) مستأنسين غير مكترثين , ونحن كذلك أحبتي , كان درساً في النحو لاتذهبو بعيداً , عساكم سالمين . 

 

كيف تحصن بيتك من الجرذان

كيف تحصن بيتك من الجرذان وحتى الفيل 

 سنة من السنين غرنا على البوجنجول حصل ذلك قبل توقيعنا على بنود المحبة والتعاون و وحدة المصير التي أقرها الدستور التأسيسي للدولة المدنية في العام خمسة وعشرين , حيث بطشنا بهم آنذاك وجعلناهم يعبرون الشط الأحَمَر كما طفر الجيش الأسرائيلي من سيناء ومشى على الماء بسبب الخوف عابراً لقناة السويس , فدخلنا معاقلهم فاتحين ولم يتسنى للأعداء حينها أنقاذ أي شيء بحيث انهم تركوا قدورهم ساخنة على المواقد وهي عامرة بالهبيط , مكانكم خال أحبتي فقد كانت لحظات تاريخية جعلتنا (نحن فرسان بنو جناب بلا فخر) نرقص ونأكل ونشرب حتى طلوع الفجر ختمناها بالأنبطاح على الأرض بعد أن سكرنا بالـ (مزبّن) ومعه ( شاي محمود الزنگين) ..

لحظة من فضلكم ياجماعة يبدو أنني شطحت يمعودين , معقولة وديتكم لسنين الغزو والتسليب !
عذراً ثم عذراً فقد نسيت أننا في القرن الحادي والعشرين ويجب أن نكون أكثر تحضراً في الخطاب والتصرف وأن لانبقى همجيين
وعليه فأنني أعترف بأن الحكاية أعلاه محض كذب وأستعراض فارغ ليس له وجود , فوجب علي أن أعوّضكم بحكاية تليق بمقامكم تصلح أن يتلاقاها أصحاب العقول المرهفين
كنت قد سرقتها , أقصد ألتقطتها من برنامج أفتح ياسمسم , مؤكد تتذكروه فهو حسن الصيت بشهادة الجميع , يصلح للكبار وليس حكراً على (الزعاطيط) :
أكو وحدة سمينة ما تشوف أبعد من خشمها الچبير
يوم من الأيام رأت في بيتها فئران فصرخت :
فأر في البيت .. فأر في البيت .. هسّه تجيبولي بزازين ..
أتت القطط وأنهزمت الفئران ولم يمض الا وقت قصير حتى عمت الفوضى بعد أن شاعت السرقات و الخراميش في ذلك البيت مما حدى بها أن تستعين هذه المرة بكلب كبير
وحين أتى الكلب أختفت القطط , لكن الكلب (راواهم الويل) فقد كان يتغوّط في كل مكان بعد أن ألتهم كل شيء
فأشار عليها الجيران أن تلجأ الى الفيل الكبير
وحين أقنعت الفيل وحضر , هرب الكلب اللعين , ولكن لم يتم تحقيق ذلك الا بعد أن تدمر البيت وأصبح بدون أرضية ولا سقف ولا أبواب ولاشبابيك
يقولون أن الفيل بالنهاية هرب بعد أن عادت الفئران لتمارس لعبتها في دغدغة أظافره , فدغدغة الأظافر ليست بالأمر الهيّن لها مفعول مرعب يعجز أمامها كل عمالقة القرن الحادي والعشرين
كان لتلك المرأة أن تحافظ على بيتها و تتفادى كل ذلك , الفئران والقطط والكلاب وحتى الفيل لو كان بيتها نظيف محاط بسور رصين
ألتقيكم في كارتون جديد عساكم سالمين.



داعش المريخ وعراقيو كوكب الأرض

أنا بحاجة لشخص مختص في (حساب العرب) و يفهم بشؤون الرياضيات , أردت أن أنتخيه ليحسب لي عدد الجلدات , تلك التي سأتلقاها من (داعش) على أفتراض أنني وقعت بأيديهم مكتوف اليدين حاسر الرأس معصوب العينين من باب التهيؤ للمفاجئات والتخفيف من الصدمات , ففي تلك اللحظة أكون قد فقدت الشعور بحسب نظرية (الخوف يعمي الشوف) يوم لاينفع مال ولاتوسلات ولا واسطات , ولذلك أستميحكم حساب الجلدات كي أعرفها قبل الممات وفق ماهو آت :
التدخين عليه ثمانين جلدة , لأن صاحبكم يدخن أحياناً و عند التعكّر تصل (العثواله للستار) وأتوقع أكثر من الثمانين لأنهم لايعرفون القراءة والكتابة ويخطئون دوماً في الحساب
ونفس العقوبة للأنترنت والهاتف المحمول (الآي فون والكالاكسي) لكل واحد ثمانين أخرى مع المصادرة والبيع في البسطيات
و الهواتف مصيبة فلكل تطبيق أو صورة يجدونها يضيفون للعقوبة الأولى عشر جلدات
حلق اللحية عليه تعزير الفاسقين أجلكم الله يمكن أن يصل الى ألف جلدة مع سيل عرم من (الجلاليق و الدفرات)
والأسوأ من أطلاقها وجوب حلق الشارب , سيكون لحياتي مسك الختام , فهو عندي غير قابل للمساومة ولن أحلقه ولو أفرغوا في رأسي عشرات الطلقات
قراءة الكتب مئة وعشرون جلدة مع ماتيّسر من التواثي والبوريات , أضيفوا لها جريمة أرتداء الـ (قاط والرباط) فلكل واحدة ثمانين , أو تسعين , مئتين , بحسب المزاج
الكهرباء و الماء النقي والملابس و حتى الطعام جميعها تخضع لأحكام غير التي نعرفها , لانعلم عنها سوى المزيد من الجلدات
كتابة المقالات يعتبرونها زندقة وخروج على ولاية أمير (المؤمنين) خاصّتهم , عقوبتها القطاف وما أدراكم ما القطاف , فهو أمر جلل ينهي برمشة عين حياة بشر لا تشفع لها القدسية التي منحها لها الله ..
كم أصبح عدد الجلدات , وكم مرة سيقتلونني وأنا المواطن المسكين الغير مالك لأي مال أو تدبير أو قرار , هذا سؤال , والسؤال الثاني يتكون من ثلاثة فروع غير قابلة للترك أو الأهمال :
هل هناك من يتعاطف مع تلك المخلوقات التي لا تعرف سوى القتل والجلد و أستعباد الناس !
ماهي أخبار السياسات العقلانية الخلّاقة في المشهد الآن !
متى يعقد مجلس النواب !
الأجابة النموذجية لجميع الأسئلة أعرفها ولن أقولها , لكنني سأساعدكم وألمح لها بعبارة واحدة تصلح أن تكون شعار يبدد القلق و ينعش الحاضر ويطمئننا على مستقبل الأجيال , قال وقيل ويقال :
محبو الوطن ينتخون له ويهزمون كل الدواعش ماظهر منها وما بطن ويبقى العراق كما بقي منذ سبعة آلاف عام . 


 

أستغاثة من عالم آخر

أستغاثة من عالم آخر لأولي الألباب 

 كذب من قال : إن في الحب والحرب كل شيء مباح , فتلك مقولة مدسوسة حشرها عابث شرير وسط مفاهيم كثيرة أريد لها أن تكون أعرافاً عند بني الأنسان , يبدو أن مخترعها مريض بجراثيم اللا أخلاق أراد للحب أن يختفي و للناس أن تنقرض من أجل أشباع ما لديه من أمراض , فلكل فعل متواتر هناك قواعد حتى الحروب مادامت الأخيرة من أختراع الأنسان , ليس غريباً أن تكون تلك القواعد مصدرها نفس الأنسان , فهذا المخلوق المثير للجدل يتمايز حتى داخل أبناء جنسه , في الخلق والتفكير و أهداف الحياة , منه صنف ينهض بها نحو السلام والبناء , وآخر يحاول تدميرها بكل ماتيسر له من القدرات , وتلك الحصيلة تضعنا في دوامة تمثل خلاصة جدوى الحياة , فأفضل تعريف لها (أي الحياة) أنها مسلسل متواصل يتغير أبطاله على مر التاريخ ينقسمون في أدائهم الى فريقين , الأول فريق الأخيار والثاني فريق الأشرار , نأسف أن نكون في زمن صارت فيه الغلبة للفريق الثاني والدليل جاهز لمن يطلبه يجده بمجرد ألقائه نظرة بسيطة على نشرات الأخبار .أعداء على شاكلة (داعش) و جوقات تقتل على الشبهات لاتقل عنها في الأجرام , الأولى تذبح الناس أمام العالم و أخرى ترديهم تحت أجنحة الظلام , نأسف أكثر أننا لانملك سبيلاً لأقناع هؤلاء الأشرار بأن الحياة فقاعة علينا أن نعيشها قبل أن تنفجر , وأن جسد الأنسان مقدس سجدت له الملائكة الا ربّهم أبليس الذي طرد من السماء ليفجّر نفسه التي لاتموت ليقتل كل يوم مزيداً من الأبرياء , لاحظوا هنا أننا نستعير مفرداتهم (أنفجار , أنتحار ) فمن عاشر الشر لايجيد الا مفاهيم الدمار لنعود الى التاريخ ونستعرض ما أسس لنا الأخيار عسى أن ننتشل أنفسنا من مستنقع الضياع , فكثيراً ما جلس حكماء العالم من أيام الرومان ودول المسيح و الأسلام وحتى الكفّار ليضعوا قواعداً للحروب بأعتبارها أمر واقع لايمكن تلافيه مهما بذلنا من جهد فهي موجودة حيث يوجد الوقود والعبيد والتجار , نستخلص منها القوانين الملزمة التي وثقها العالم خصوصاً بعد الحربين العالميتين لتكون ناموساً أخلاقياً ملزماً للتخفيف من الأذى والأهوال فمن الأهمية بمكان مع الأهم منها للزمان ألقاء نظرة على المباديء الأساسية المشتركة للقانون الدولي العام مع لائحة حقوق الأنسان , نوردها في أدناه عسى أن يطّلع عليها كل عازم على قتل المزيد وأمتهان الأنسان و تدمير ماتبقى من البلدان فمن خرج عليها عد من مجرمي الحرب فاقداً للمباديء الأنسانية وخارق لقوانين الضمير الدولي العام :

1- حصانة الذات البشرية للمدنيين أمام أي أعتداء على الحياة *
2- حظر التعذيب بشتى أنواعه وليس للطرف الداخل في نزاع سوى طلب تعريف الهوية دون إجبار على الأفصاح عن الخصوصيات
3- أحترام الشخصية القانونية لضحايا النزاع مع المحافظة على تلك الشخصية أمام كل الأعمال المدنية و القتالية
4- أحترام الشرف والحقوق العائلية والعقائدية والتقاليد وعدم الكشف عنها إن كانت تشكل خطراً على الأشخاص
5- حماية الملكية الفردية وضمانها من قبل أطراف النزاع حتى في حالة التحفظ بهدف التحييد للتأثير في ميزان القوى بين أطراف النزاع
6- عدم التمييز بصورة مطلقة بين ضحايا النزاع من حيث المساعدة وتوفير سبل الحياة والتمييز فقط نحو تقديم خدمات أضافية للجرحى والمرضى وكبار السن والأطفال
7- توفير الأمن والطمأنينة وحظر الأعمال الأنتقامية والعقوبات الجماعية وأحتجاز الرهائن
8- توفير الضمانات القضائية من حيث الأجراءات أبتدءاً لمرحلة ماقبل التحقيق وحتى أصدار الأحكام

*مصادر البنود الثمانية / أتفاقيات جنيف للعام 1949 وأتفاقية جنيف (البروتوكول الأول والثاني) للعام 1977 ويشمل كل أطراف النزاعات موقعين أو غير موقعين ويحاكم المخالف لبنودها في محكمة العدل الدولية (لاهاي) بناءاً على أحالة المنظمات الدولية العاملة وفق تهمة (الأبادة الجماعية) و(القيام أو الشروع بجرائم حرب) . 

 

 

موجز واقع العراق

تم أيقاف الحجب أصدقائي , هل هي أستراحة جلّاد أم صحوة ضمير تحدث كل بضع سنين تراعي أسس أحترام العباد , ربما أحتفالاً بالغائب رئيس البلاد
فإذا حضر (المام) بَطُل الـ (خزاعي) وكُبح جماح تجار الأديان الذين قلبوا الخلق الى دجاج يسير مخدراً نحو مقصلة النحر وإن تعددت الأسباب وما داعش الا حركة لا تختلف عن حركات الأستباحة الا بالمظهر , جميعها تكفر ما سواها تسلب المال والأرواح والأولاد , لا أنسى صديقي النصراني (أنيس) الذي هجّر من (الدربونه) في الـ (2006) قلت حينها لمن حولي من الحوالي السمان :
سندفع الثمن غالياً والقدر يأخذ بالحقائق والوقائع لا بالأعذار باع بيته بثمن بخس ذلك الجميل روحاً و خلقاً , عائلته قدوة أقرب الى شمعة تنير الحي البائس الذي أسكنه , عائلة أنيس سكان العراق الأصليين يختلفون كثيراً عن الهنود الحمر بما يملكون من نبل يتناسق مع التحضّر و الجمال , مذ غادروا (الطرف) غادر معهم للأبد السلام
فطرنا قبل قليل في الطريق وبقينا جوعى وعطشى وكأننا لازلنا صائمين , كانت والدتي تقول: رحت لبيت الله وأجيت مثل بيتي مالگيت ! كيف بالنازحين مَن تركوا كل شيء بسبب صراعات بين متناطحين لن يحصلوا منها الا على الموت والدمار
ربنا لاتؤاخذنا بمافعل المتناحرين منا أزهقوا الأرواح وأهدروا الأموال ودمروا الأوطان وجعلونا (مكفخة للرايح و الجاي) , متى نجهز (سبع حجارات) نلقيها خلف هذا (الزمن الأغبر) الذي لم نشهده مذ خلق الله الأرض ليعمرها الأنسان , ستكون حينها أزمة حقيقية بالـ (حجار) وستضيء العقول من جديد لتصنع الحاضر و مستقبل الأجيال
عساكم سالمين أصدقائي الأعزاء .


أنفخ بويّه أنفخ

لأمين العام (بان) طلع شخصية حقيقية ويگدر يوگـف على حيله يمعودين
وسالفة شهادة الوفاة اللي طلعت بأسمه مو صحيحة و روح كيمون
وأحتمال أذا شد حيله يتذكر العراق و شدا يصير بالمسيحيين والمسلمين
اليوم أستنكر مذبحة الشجاعية بغزة و طلب من أسرائيل ضبط النفس !
وهاي مال (ضبط النفس) تذكرني بسالفة حسوني السمين أبن صاحبنا العصبي جبّار ماليبو الله يذكره بالخير
كان جبار كل ما يجي بالليل يجيب وياه أبنه حسوني لما نتعلل بالبيت والأخير مدلل ومشندل والله مايجرعه و لازكَ بأبوه ويتربع بالوسطة مثل فرعون , كافش هذا و خامش ذاكا ومحّد يندك بيه
حسوني يحب الفاصوليا و الباميا والعمبه والتشريب ودائماً يجينا مفرفح و منفوخ
ويهدها علينا بدون مقدمات أو أدنى تحذير
طگت رواحنا بالأخير وأتفقنا نفاتح أبو حسوني بأن لازم يضع حد لتصرفات أبنه الأدب سز , لأن مرّات يگـعدون ويّانه ناس غربة فشله من عدهم و عيب
ربك الله هداه لأبو حسوني و وعدنا خير وكَام يصيح بأبنه :
أضبط نفسك باباتي .. أضبطها أروحلك فدوة
وراها گام حسوني يذب بدل القنبلة الوحده خمسين , كلها من هذا المهداد الغير قابل للتشظية اللي شفناها بالجيش
بحيث تعودنا كلما نسمع كلمة أضبط نفسك , ناخذ أنبطاح لو ننهزم و نشوفلنا ديره بيها هوى الله لأن الغازات تسد الخشوم و تعمي حتى العيون
عوفونا وخلي نشوف العملية السياسية , بعدها سختچية لو تغيرت , الله يرحم أمي كانت تگـول : الأنسان يوميّة ينبتله عقل ... وليدي
شو جماعتنا مخلصيها سوالف ومانسمع غير معارك النساوين , بس الشهادة لله هذا سليم الجبوري يگلون عليه حباب وفقير , تتصورون راح يعدل مايلها و يگدر يلم الوادم على حب الله ويخلصنا من حسوني و داعش والمتوحشين , صارت الريحة مثل ريحة المغيسل النوب بتموز ..أنفخ بويه أنفخ على گـولة ذاك اليهودي بسوكَ الصفافير
عساكم سالمين 

 


داعش يهدد نيويورك

لجأت كما الكثير من أصحابي الى موقع (تويتر) بعد التصعيد الدراماتيكي للأحداث في العراق أستقي منه الأخبار فهو أسرع أداة لمعرفة مايجري في العالم الفسيح ففيه تتعدد المشارب والآراء ومصادر الأخبار مابين صحيح و مفبرك و مكذوب فقد أصبحنا بفضل (أبطال المشهد) وفوضاهم كالأطفال في السوق بعد فقدهم لأمهاتهم تائهين لايملكون غير صدى التحذير الأخير الذي يطرق مسامعهم بصوت مبحوح (هلك لا أتهلك وكظ أخوك لا يتيه) , منذ الأمس بدأت حملة يقودها الدواعش في الموقع المذكور أولئك المتباهين بنشر ثقافة الدم و تكفير الناس أجمعين , حيث أنقض رجال البغدادي وهم يزبدون ويرعدون ليتجاوزوا كل معقول , ظهروا وهم يهددون أميركا بهجوم كبير يشلها أقتصادياً ثم عسكرياً يبدأ بنيويورك ثم الزحف نحو الولايات الأخرى لسبي النساء الشقراوات و السوداوات وفرض الجزية على الرجال فأن أبوا حولوهم الى عبيد !
لوصدقنا هذا التبجح الخيالي لتلك البهائم وجب علينا التخمين , ستسوّق أميركا تلك (الرعونات) الفارغة على أنها حقائق وأن الخطر كبير وسيفرك الشامتون أيديهم فرحاً بالفرص الجديدة التي واتتهم مجدداً من أجل المزيد من الأذى والتدمير
فرغم ميل الرئيس أوباما الى جناح السلم علينا أن لاننسى تأثير اللوبي المضاد بقيادة الصقور وهم كثر موجودين عبر التاريخ فسياسة أميركا أكبر من طباع الرئيس , سيضيع فوق ضياع العراق بلدان وشعوب و أقاليم وتهدر مرة أخرى دماء الملايين ويطرد من دول الغرب كل أو جزء من العرب المهاجرين , تف على (الدواعش) الهمجيين , وتف ثانية على (جوقات اللصوص) ممن وفّروا لهم بيئة هلامية ساعدتهم على الظهور , وتف ثالثة على (تويتر) الذي سمح لهم أن يتفيقهون
فثمن أجرام القاعدة وأبنتها (داعش) دفعناه ولازلنا من دمائنا نحن المساكين سيقضي علينا و على روابط الحياة من هوية و أنسانية ودين , تأملوا أما لكم من عقول ؟ فطرّهاتكم تختصر بحكاية يعرفها الصغار قبل المسنين:
أراد الضفدع أن يكون بحجم الفيل فنفخ نفسه حتى أنفجر وتلطخت الأرض بقذارته (الخضراء من جهة والسوداء من جهة) فصار ذكرى غير مأسوف عليها لجلد ميت حقير
نسألكم الأنتحار بعيداً عنا فقد خبرناكم وحوشاً ما أن تظهروا حتى تأتون بوحوش (أخرى) من كل صوب ( من الشرق و الغرب ) صحيح أن تلك الـ (أخرى) تناقضكم الأفكار والعقائد لكنها تشبهكم في التدمير فجميعكم على الأنسان والحياة والأوطان ناقمين
ماهي النهاية التي أليها تسعون , نعرفها جيداً لكننا (نحن أهل العراق) نركب رؤوسنا عندما نكون متوترين ونتعمّد مجافاة الحقائق فطبعنا العناد وعدم الأقتناع الا بعد مرور وقت طويل , ولكن مصير هدفكم بالنهاية مكشوف للجميع وهو تحويل العراق الى قبر كبير تلك هي الحقيقة أيها المجرمون فتهديدكم اليوم بأعدام (300) أسرة مسالمة من الأزيديين المحاصرين فوق جبل سنجار وقبله قتل الأسرى الجنود والطلاب في تكريت بأستهتار مهين للقانون الوطني و معه الدولي الأنساني وما فجرتم من تراث و صروح سيجعل العالم ينتقم منكم لتكونوا خلال وقت قصير كما الديناصورات منقرضين , لكنكم أجبن كثيراً من تلك المخلوقات التي لم تؤذي الغير الا بما يبقيها حيّة حتى حين وفق ما تملك من معايير الضمير , لوكان العراق قويّاً لما تجرأتم بوطء متر واحد فيه لكنها الظروف خدمتكم , فاجعة الأحتلال و كارثة التخندق ثم الفوضى التي طال مكوثها , أتت بكم كما أتت بغيركم , لكنكم قدمتم للبلد الخطأ أيها الواهمون فالعراق ذو السبعة آلاف سنة لديه (بخت كبير ) والأخير يضعف أحياناً لكنه لايموت كما يخبرنا التاريخ , ولذلك أدير وجهي دون أستئذان عن الحديث العقيم , فالجدوى فقط بالحديث الى أخوتي في الوطن أليكم أوجه خطاب من القلب أستحلفكم أن تنتخوا لبيتكم الكبير وأن تتضامنوا قولاً وفعلاً مع كل المواطنين المعرضين للخطر (مسيح , كورد , أزيديين , مسلمين) وحتى الأجانب المدنيين المقيمين
لا خلاص من هذا العبث الا بالعودة لمنطق العقل , أول خطوة يمكننا التفاؤل بها هي أمكانية لم الشمل و ردم الفجوة المختلقة مابين مكونات الشعب ليصهر في مكون وحيد هو شعب العراق العظيم , أمر يمكن تحقيقه على الفور بتقبل الآخر مهما كان والبدء ببناء الثقة فهي سبيل الوصول الى الحشد , أول ماتزرع بين (النخب) ببوادر واضحة علنية , والأمر ليس خياراً بل حتمي خطير , لتعود الثقة بين أفراد الشعب بمجرد أن يثق الساسة ببعض فالناس على دين حكامها تكون وهم لهم مقلدين ولن يحصل ذلك الا بسياسة عليا صادقة ونيّة صارمة أول ما تبدأ بزرع الأمل و الأصرار على توفير السلام والحياة الكريمة لكل أبناء الشعب دون تمييز فالجميع سواسية بالأنتماء و الحقوق , عن الأستحقاق الدستوري تتكلمون , لاضير أن تعتلوا المناصب على أن تتركوا أمر أدارة الدولة لذوي الأختصاص و العقول , أجعلوهم مديرين و مستشارين ودعوهم يعملون بهدوء بعيداً عن الضجيج وماعليكم سوى أن تصمتوا خصوصاً ما بينكم من سعالي وصقور , الأمر يسير وليس مستحيل , بناء من الداخل و علاقات طيبة مع الخارج ستتحصن الحدود ولن يجرؤ جرذ على الدخول , أقسم لكم بأنكم ستشهدون الثمرات كأنكم في الجنات التي بها تحلمون , و بعد وقت ليس طويل , سيجيّر النجاح لكم ويكتب التاريخ عنكم فبأستعادة العراق يبرز كل المخفي من الطيبة والنخوة لتهزم الفتن و تستبدل بالمناقب الآتية من نفس التاريخ , سيكون أزدهار ليس له مثيل , أستحلفكم أن تصدقون , أكبحوا شيطاينكم أحبتي و أنبذوا الخطاب الديني الفوقي التكفيري كذلك القومي الشوفيني وكل مفرقات الجموع فبلجمه سيزول التهديد فأن أنكرتم سنكون عصف مأكول ألتهمته الوحوش منذ قرون وتأكدوا بأن العراق سيبقى كما بقي منذ ألفيات سبعة لكن التاريخ لن يرحم المتقاعسين وسيرميهم بالجبن والبله والجنون ..عساكم سالمين.


الوصفة السحرية للسلام في العراق

للأهمية أتحدث اليوم عن (الكراهية) بعدما عصفت بنا مابين سفك و أستنزاف و دمار , قلبت الوطن الى دور حرب و ولايات , الكراهية و الحقد و النوايا السيئة مفهوم واحد , يمكن أختزالها بالعامل (أكس) كما يطلق على كل مؤثر مخفي يقلب نتائج العمليات بلغة العلماء , مؤثر يطيح بالأهداف و يحيد بالخطط و يحطم الستراتيجيات , قال الأسلاف فرددنا بعدهم مثل الببغاوات (سوء الظن من حُسنِ الفطن) , وبعد تجربة الحياة المعاصرة في العراق أكتشفت كما أنتم أن صاحب تلك العبارة بدوي أصيب بجنون الأرتياب , فشل أمام نفسه وعجز عن التواصل مع الناس , فأستعان بخياله المضطرب المبني على أفكار مقفلة لا تزيد عن حب الغزو والسلب والأنقضاض , أراد وغيره لينتقم من الناس بتلك السُنّن السوداوية المدلهمّة التي أحالت الناموس البشري الى أنغلاق وتناحر وأحتباس , وفعلا نجحت بذرة الشر لذلك الرجل أو سواه الى حد ما , فقد أفلح وتابعيه ولو نسبياً في الأستيلاء على الحواضن المتخلفة مستغلاً جزر الجهل الموجودة أصلاً والتي تمددت صحاري وهضاب للتوسع على حساب التمدن والحرية والبقاء , ليصيب السوء شعوب حيّة جعلها ميّتة عاجزة تتراجع للوراء , آخر ما عوقبت أن لفظتها المدنية لتعود مجدداً من حيث أتت من عمق الصحراء , مفاهيم الشر كثيرة أردت أختصارها بمثال , سوء الظن يصنع الأعداء ويجلب الوحوش والفتن والبلاء , سّبب خسائر بشرية و مادية لازالت في تصاعد في عموم البلاد , وتجربة السنوات الأخيرة خير دليل وجلّكم شهود مادمتم أحياء , فكم قتل من الأبرياء على الشبهة على يد الأشرار, وكم غيرهم لفقت لهم قضايا كيدية لأنهم في نظر صاحب الأمر مشبوهين وجب منهم القصاص, وكم من دول ناصبتنا العداء بعد أن نوصبت منا العداء فيما كان موقفها مما يجري عندنا في البداية (محضر خير) لكن البعض كال لها الشتائم دون مسوغ فأنقلبت من صديق الى عدو بسبب واحد أو أكثر من الأغبياء , في غمرة مهرجان النعرات بأشكالها (طائفية , حزبية , شعوبية , رعونة شخصية) ضاعت الحقائق وأمتزجت دماء القتلة بالأبرياء وهكذا بدأت متتالية الكراهية تتدفق لتغرق البلد في الأحقاد والثارات , يتناسى أغلبنا أن لكل قول سيء رد فعل سيء , ربما لا يساويه في المقدار لكنه يبقى يعاكسه في الأتجاه , يؤثر في صحو البلدان وتبقى آثاره لعدة عقود وليس سنوات, ظهرت للكراهية صور عديدة , تفجيرات مجهولة تحصد يومياً العشرات , حرب أهلية لا أخلاقية يشعلها الموتورين لتمارسها أشباح , أضطر البعض للهجرة يلوذون بالغربة هرباُ من الموت والدخان , البسطاء لايملكون سوى الصمت المقدس سبيلاً حتى ساعة مناص , بعضهم أراد حماية نفسه فأنخرط في جوقات السوء المتناقضة حد النخاع , أخطر الصور التي شهدناها كانت بلجوء البعض للسلاح , تحت نظرية مواجهة الشر بالشرّ , أو لأنتزاع مايرون أنه حق ضاع, أغلبهم عبّر عن رفضه المباشر لما يعانيه من تجاهل وأبادة وأقصاء , بلغت تلك الصور ذروتها خلال الأشهر الأخيرة حين هاجمت وحوش أجنبية أراضي شاسعة من العراق أنتهزت هشاشة الدولة وما تعانيه من تسيّب وأحقاد وشقاق , تخيلوا المشهد , مجاميع غريبة من الهمج الرعاع هلل لهم بعض أهل الدار , ولكم تقدير السوء الذي سبّبه السلطان والأتباع , هل نعتب على الوحوش أم نعتب على صاحب الأمر مالك السلاح والمال والمنفرد بالقرار, مَن منكم لم ير أسرع سباق ماراثوني شهده تاريخنا بصنع الأعداء , طيلة السنوات الماضية كانت الكراهية والأتهامات تصدّر يومياً مثل البترول ليس عبر الموانيء بل عن طريق الأعلام , أبطاله رجال و نساء ومتحولين لم يتسنى لنا التأكد من جنسهم حتى الآن , ما أن يظهروا على شاشات التلفاز حتى يترك الناس الزاد ليسارعوا للفراش عسى أن يستيقظوا على تغيير يخلّصهم من كابوس الرعب والموت بالأغتيالات أوالتفجيرات , لو كان لأحقادنا أجنحة لوصلت الى كل المجرات , نحمد الله أن الفحيح أقتصر على الفضائيات ! , أعرف محافظة كانت آمنة تحولت الى ساحة قتال بمجرد ظهور سيدّة متوترة على أحدى القنوات وهي تكيل الشتائم لخمسة دول كبيرة ومائة شخصية عالمية ولم تستثني بالطبع عشرات السياسيين والنواب ولا أخفيكم تواضع ثقافتي لأنني وبصراحة لم أعرف لحد الآن سبب هذا الشتم والعويل والخصام , الناس مرعوبة أفكارها مشتتة , التعبير عن الرأي مغامرة على المجازف بأبداء الرأي أن يشتري له قطعة قبر من الدفان في وادي السلام , شهدنا أيام رأينا فيها العامة تتهم المثقف بأنه شاذ , والعلم صار مثلبة والكتب غطاها التراب , لتنتشر الأساطير وتزدهر الخرافات , الفزع أصاب المبدعين بعد فقد الأصالة و أزدهار التقليد والتكرار وكأن القوم في عهد الشرّاح الذين جفّت عندهم الأفكار , فالأدب و الفن و العلوم الأنسانية أصيبت مقتلاً من ذلك الوباء , منطق الغاب هو السائد و المؤسسات العامة باتت ذكريات , للتسقيط عندنا بورصات ودكاكين تعمل بدوام كامل وأجور مجزية في كل الأوقات , والذنب في ذلك ليس ذنب الأشرار لوحدهم بل ذنبنا نحن غالبية الناس , ومن يدفع بدفاعي هذا سأختصر له الأمر بالأسباب التي تدحض كل قول , نلقي بلائمتها على أمراض أجتماعية سارية كالنفاق والأنتهازية وأنعدام المساواة وسط مجتمع لم يتخلص من البدواة لحد الآن , لا زال العيش فيه مثل سباق (ذكور النحل) حين يتزاحمون على تلقيح (الملكة) يموتون جميعاً ولايفوز منهم الا واحد وشتان مابيننا وبين خلية النحل التي يضحي أفرادها من أجل الحياة , فيما نموت للاشيء لنذهب هباء, أي كوميديا جحيمية وجدنا أنفسنا غارقين فيها , الى متى يستمر التيه و المراوغة والخذلان أما آن الأوان لأستثمار فرص الحياة لنعيش بسلام , كثيرة الفرص وليس كما يدعي المتشائمون , لدينا عملية سياسية نتمسك بها , فيها بوادر واعدة رأيتها اليوم تنعكس تفائلاً و فرحاً في وجوه الناس , لوتكاتفت الجهود و أتحدت النوايا (الحسنة طبعاً) لخرج منها نظام سياسي جديد يخدم كل العراق , تلك الكلمات التي أسلفتها لم أرد منها سوى أيصال فكرة واحدة , حين يمرض أحدنا يسارع الى الطبيب , والأخير يرسل مريضه الى فحص الأشعة والمختبرات , والهدف من هذا الأجراء لضمان التشخيص السليم للعلّة وتحديدها والأعتراف بوجودها للتمكن من أيجاد العلاج , فأول ما على النظام الجديد أن يشخص بموضوعية كل العلل الوراثية والمعدية والسارية لغرض العلاج , وسأوفر عليه عناء الذهاب للمختبرات , فالعنصر أكس ( سوء الظن و الكراهية والأحقاد ) هي العلة الوحيدة التي أصيب بها العراق , مفتاح الخلاص منها بنبذ التشنج والفوقية في كل خطاب , وأن ما نراه من مشاكل كثيرة تواجهنا ماهي الا نتائج ثانوية , تنتهي لوحدها بمجرد نبذ الكراهية وخطابها الذي جلب لنا الدمار , مؤكد سيتمكن من دحرها أصحاب الرأي كحزمة واحدة أذا ما توخّوا الأبتعاد عن كل مثلبة من مجاملة أو تساهل أو تبعيات , سوف يتعافى الوطن والشعب وحتى المرضى في دول الجوار , وتبقى الثقة أساس البناء . 

مقالب الشيطان الرجيم

أغلب أصحابي المجانين يتذكرون كتاب قبو البصل وهو مجموعة قصصية لأفضل عشرين كاتب ألماني ترجمها الدكتور سامي الأحمدي متفضلاً بأسلوب العرب ونباهة الألمان , وباب التذكر وعدم النسيان متأتي من كون ذلك الكتاب كان الأخير الذي دخل العراق قبل حظر الطباعة وأعتبارها من الكماليات حين منعتها السلطة آنذاك بقرار رسمي دعماً للمجهود الحربي في مواجهة الحصار مما حدى بزملائنا المجانين الى اللجوء الى الأستنساخ (الورقي طبعاً) وليس أستنساخ النعاج , لازلت أتذكر قصة وردت في ذلك الكتاب كانت بعنوان (الصرح) فكرة القصة تدور عن مقارنة بين شخصين , تنافسا على الحكم , الأثنان أقتربا من الفوز بها بنفس المسافة والمؤهلات والحق , الأول أصر و هدد وتوعد , أما الثاني فكان مسترسلاً بالهدوء وللجميع يحترم و يتودد , وفي غمرة التنافس توصل الأثنان لأتفاق , تنازل الثاني للأول عن كرسي الحكم , على شرط , أن يتركه يبني (صرحاً ) فقط , وكان له ما أراد , فتوارى الحالم منشغلاً بصرحه ليترك الأول ينال الحظوة والأهتمام من عامة الشعب مزهواً بأمتلاك الجاه والمال فأجتمع حوله الناس المبجلين له ليل نهار طوال فترة حكمه , مر الوقت و أنتهت فرصة الأثنان في الحياة , حين مات الأول صاحب السلطة تناساه أتباعه ونال مانال من سباب ولعان , أما الثاني حين مات بقي صرحه خالداً تتمجد به الأجيال .
في نفس السياق أذكر مشهدين جعلاني أندهش و أتفاجأ , كلما تذكرتهما أدخن بدل السيجارة الواحدة سيجارتين , الأول حصل قبل سنة و الثاني حصل قبل يومين .
ما حصل معي قبل سنة أنني كنت عائداً من مكان بعيد , فوجئت بالطريق الذي سلكته وقد تحول الى معسكر ولكن ليس ككل معسكر , كان أطول معسكر في التاريخ , تصوروا أن طول الطريق مائة وأربعون كيلو مترا جميعه صار ترسانة أسلحة محاطاً و بتنسيق متقن بالدبابات و العجلات و العسكريين , عرفت أن فرقتين كاملتين تؤمنانه , وطائرات تحلق على أمتداده جيئة وذهاباً وكل ذلك حصل لأن (شخص واحد) كان يزور مدينة في نهاية الطريق , عرفت ذلك في مساء نفس اليوم من التلفزيون , ومن الأخير نفسه عرفت أن دوائر الطب العدلي سجلت وفاة ثمانية وسبعين شخص في حوادث متفرقة في خبر لم تتجاوز مدته نصف دقيقة بالضبط .
المشهد الثاني أبن يومين , مررت لشراء شيء من صاحبي (أبو حسن) وهو رجل كهل تعرفت عليه منذ سنوات حين أنتقل الى حي النصر بعد أن هُجّر من حي الأمين , الرجل يمتلك صفة مميزة , فهو رغم خسارته لبيته الكبير الذي كثيراً ماحدثني عن حجمه و حديقته وجماله , ومعاناته في الحصول على راتبه التقاعدي , كان دائم الأبتسام والترحيب , توقفت عنده يوم أمس الأول لشراء شيء فشاهدت شيئاً غريباً , فوجئت به يجلس القرفصاء على الأرض في منظر غريب و الدكان خالياً من الكراسي , كنا نجلس عليها معاً في آخر مرة مررت به لينظم لنا عادة أول عابر سبيل , سألته بعد أن قام لي , أين ذهبت الكراسي و لماذا تجلس على الأرض , أجابني :
الكرسي شيطان رجيم يتلبس كل جالس عليه ... تربّعت معه على الأرض مضحياً ببنطالي وليتسخ حذائي , منها وأليها , عساكم سالمين . 


حكاية حقيقية بنت البارحه

يوم أمس ذهبت مع صديق الى دائرة الجوازات على أعتبار أنني أملك (واسطة) , لدي (رائد حباب) كان زميلي في أحد أماكن الدراسة , وحين وصلنا وجدنا صاحبي عماد لكننا فوجئنا بأن الأمر فوق طاقته بسبب الزحام في كل المفاصل , أتصل بالهاتف فلم يلق أجابة , تكلم مع المدير الذي أتصل بدوره بأثنين آخرين , ثم دخل معنا عماد وأخذ المعاملة , شعرت بأحراجه بعد مرور دقائق , فحتى زملائه وبسبب الزحام التاريخي لم يعيروا له أي أهتمام , فطلبت منه ترك الموضوع و رددنا نحن الثلاثة الآية الكريمة ( يوم لاينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم ) وأين القلب السليم في تلك الأماكن التي يطلق عليها علماء النفس ( المنغلقة الصاكّه ) قررنا الخروج لأنجاز ماتيسر من الأعمال على أن نعود بعد ساعات قبل نهاية الدوام , وعدنا فعلاً في الواحدة ظهراً , كانت الأعداد نفسها وكأن القوم في أنتظار رواتب التقاعد التي لم تأتي فيما الأعداد في تزايد , وعند حلول الساعة الثانية خرج شرطي صغير السن كان يتكلم بثقة وتهكم شديد وخطب في الناس :
ياجماعة خلص الدوام و لازم تطلعون من الدائرة و أذا ماطلعتوا راح أخابر عليكم مكافحة الشغب ويشبعوكم تواثي !
أستغرب الناس ولزموا الصمت , قطرات من العرق كانت تنساب على جبيني وكذلك صاحبي , الجميع يتصبب عرقاً , ربما من الحر أو الخجل
تقدمت أمرأة عجوز وقالت : الله لاينطيك العافية , من السبعة واكفه وتاليها تأجلوني عساها بعيالك ياسافل !
أمرأة متوسطة العمر أرتجلت خطاباً فوريا:
ولك من الصبح نباوع عليكم تاخذون المعاملات سكتاوي وتاركين الوادم مشعولة بشمس الظهاري , الله لايوفقكم وأنشالله ينقلوكم لتكريت لو للموصل !
عدا تلك الأمرأتين لم يجرؤ أحد على الكلام من كل ذوي الشوارب فالجميع خصوصاً في هذا الوقت يتجنب المشاكل .
في تلك الأثناء مر من أمامنا عقيد فأستوقفناه سائلين : كيف وشرحنا له مانريد..
أخذ المعاملة وطلب منا الدخول ورائه , وأرسل بعض موظفيه للخروج لجمع المعاملات من كل الموجودين بالخارج , كانت حوالي مئتا معاملة , فقد أنخفضت الأعداد لسببين , الأول لأن الدوام أنتهى , والثاني بسبب الخوف مماقاله الشرطي الثائر .
العقيد كان يعمل وقوفاً لأنه كان يدير بنفس الوقت أربع حاسبات , وكان معه ملازم يعمل الحاسبات الأخرى بهدوء وسلاسة , أكملنا المرحلة الأولى ثم الثانية ولم تصل الساعة بعد الى الثالثة , أنجزوا كل المعاملات وهما أثنان فقط بحوالي ثلاثة أرباع الساعة .
الأمرأة العجوز دعت للعقيد والملازم بحفظ الله وطولة العمر , أما الثانية التي كانت في متوسط العمر فقد أبتسمت لهما وقالت وهي تلتفت فرحاً يميناً وشمالاً :
العراق بعده بخير ياجماعه , ربي يوفقكم يانشامى .
حين هممنا بالخروج سألت العقيد بعد أن تأكدت بأنه يملك أخلاقاً :
كم هي أعداد العاملين بتلك الدائرة
أجاب مستغرباً : أعتقد ميتن و شويّة
بادرته : لا أخفيك بأننا كمواطنين كنا سنأخذ فكرة سيئة جداً عن تلك الدائرة ونشتم كل من يعمل بها ولانستثني صاحبنا رائد عماد وحتى جنابك , لكنك والملازم أنقذتم سمعة الدائرة , بل أنقذتم العراق كونكم أحدى مؤسساته , بوركتم يا غيارى
تقدم منا الملازم الشاب و قال:
اليوم نسيبتي أم زوجتي عازمتني على سمك , والبيت قريب عبور الشارع , طالبها منكم طلبه وأرجوكم تجون ويايا !