للأهمية أتحدث اليوم عن (الكراهية) بعدما عصفت بنا مابين
سفك و أستنزاف و دمار , قلبت الوطن الى دور حرب و ولايات , الكراهية و
الحقد و النوايا السيئة مفهوم واحد , يمكن أختزالها بالعامل (أكس) كما يطلق
على كل مؤثر مخفي يقلب نتائج العمليات بلغة العلماء , مؤثر يطيح بالأهداف و
يحيد بالخطط و يحطم الستراتيجيات , قال الأسلاف فرددنا بعدهم مثل
الببغاوات (سوء الظن من حُسنِ الفطن) , وبعد تجربة الحياة المعاصرة في
العراق أكتشفت كما أنتم أن صاحب تلك العبارة بدوي أصيب بجنون الأرتياب ,
فشل أمام نفسه وعجز عن التواصل مع الناس , فأستعان بخياله المضطرب المبني
على أفكار مقفلة لا تزيد عن حب الغزو والسلب والأنقضاض , أراد وغيره لينتقم
من الناس بتلك السُنّن السوداوية المدلهمّة التي أحالت الناموس البشري الى
أنغلاق وتناحر وأحتباس , وفعلا نجحت بذرة الشر لذلك الرجل أو سواه الى حد
ما , فقد أفلح وتابعيه ولو نسبياً في الأستيلاء على الحواضن المتخلفة
مستغلاً جزر الجهل الموجودة أصلاً والتي تمددت صحاري وهضاب للتوسع على حساب
التمدن والحرية والبقاء , ليصيب السوء شعوب حيّة جعلها ميّتة عاجزة تتراجع
للوراء , آخر ما عوقبت أن لفظتها المدنية لتعود مجدداً من حيث أتت من عمق
الصحراء , مفاهيم الشر كثيرة أردت أختصارها بمثال , سوء الظن يصنع الأعداء
ويجلب الوحوش والفتن والبلاء , سّبب خسائر بشرية و مادية لازالت في تصاعد
في عموم البلاد , وتجربة السنوات الأخيرة خير دليل وجلّكم شهود مادمتم
أحياء , فكم قتل من الأبرياء على الشبهة على يد الأشرار, وكم غيرهم لفقت
لهم قضايا كيدية لأنهم في نظر صاحب الأمر مشبوهين وجب منهم القصاص, وكم من
دول ناصبتنا العداء بعد أن نوصبت منا العداء فيما كان موقفها مما يجري
عندنا في البداية (محضر خير) لكن البعض كال لها الشتائم دون مسوغ فأنقلبت
من صديق الى عدو بسبب واحد أو أكثر من الأغبياء , في غمرة مهرجان النعرات
بأشكالها (طائفية , حزبية , شعوبية , رعونة شخصية) ضاعت الحقائق وأمتزجت
دماء القتلة بالأبرياء وهكذا بدأت متتالية الكراهية تتدفق لتغرق البلد في
الأحقاد والثارات , يتناسى أغلبنا أن لكل قول سيء رد فعل سيء , ربما لا
يساويه في المقدار لكنه يبقى يعاكسه في الأتجاه , يؤثر في صحو البلدان
وتبقى آثاره لعدة عقود وليس سنوات, ظهرت للكراهية صور عديدة , تفجيرات
مجهولة تحصد يومياً العشرات , حرب أهلية لا أخلاقية يشعلها الموتورين
لتمارسها أشباح , أضطر البعض للهجرة يلوذون بالغربة هرباُ من الموت والدخان
, البسطاء لايملكون سوى الصمت المقدس سبيلاً حتى ساعة مناص , بعضهم أراد
حماية نفسه فأنخرط في جوقات السوء المتناقضة حد النخاع , أخطر الصور التي
شهدناها كانت بلجوء البعض للسلاح , تحت نظرية مواجهة الشر بالشرّ , أو
لأنتزاع مايرون أنه حق ضاع, أغلبهم عبّر عن رفضه المباشر لما يعانيه من
تجاهل وأبادة وأقصاء , بلغت تلك الصور ذروتها خلال الأشهر الأخيرة حين
هاجمت وحوش أجنبية أراضي شاسعة من العراق أنتهزت هشاشة الدولة وما تعانيه
من تسيّب وأحقاد وشقاق , تخيلوا المشهد , مجاميع غريبة من الهمج الرعاع هلل
لهم بعض أهل الدار , ولكم تقدير السوء الذي سبّبه السلطان والأتباع , هل
نعتب على الوحوش أم نعتب على صاحب الأمر مالك السلاح والمال والمنفرد
بالقرار, مَن منكم لم ير أسرع سباق ماراثوني شهده تاريخنا بصنع الأعداء ,
طيلة السنوات الماضية كانت الكراهية والأتهامات تصدّر يومياً مثل البترول
ليس عبر الموانيء بل عن طريق الأعلام , أبطاله رجال و نساء ومتحولين لم
يتسنى لنا التأكد من جنسهم حتى الآن , ما أن يظهروا على شاشات التلفاز حتى
يترك الناس الزاد ليسارعوا للفراش عسى أن يستيقظوا على تغيير يخلّصهم من
كابوس الرعب والموت بالأغتيالات أوالتفجيرات , لو كان لأحقادنا أجنحة لوصلت
الى كل المجرات , نحمد الله أن الفحيح أقتصر على الفضائيات ! , أعرف
محافظة كانت آمنة تحولت الى ساحة قتال بمجرد ظهور سيدّة متوترة على أحدى
القنوات وهي تكيل الشتائم لخمسة دول كبيرة ومائة شخصية عالمية ولم تستثني
بالطبع عشرات السياسيين والنواب ولا أخفيكم تواضع ثقافتي لأنني وبصراحة لم
أعرف لحد الآن سبب هذا الشتم والعويل والخصام , الناس مرعوبة أفكارها
مشتتة , التعبير عن الرأي مغامرة على المجازف بأبداء الرأي أن يشتري له
قطعة قبر من الدفان في وادي السلام , شهدنا أيام رأينا فيها العامة تتهم
المثقف بأنه شاذ , والعلم صار مثلبة والكتب غطاها التراب , لتنتشر الأساطير
وتزدهر الخرافات , الفزع أصاب المبدعين بعد فقد الأصالة و أزدهار التقليد
والتكرار وكأن القوم في عهد الشرّاح الذين جفّت عندهم الأفكار , فالأدب و
الفن و العلوم الأنسانية أصيبت مقتلاً من ذلك الوباء , منطق الغاب هو
السائد و المؤسسات العامة باتت ذكريات , للتسقيط عندنا بورصات ودكاكين تعمل
بدوام كامل وأجور مجزية في كل الأوقات , والذنب في ذلك ليس ذنب الأشرار
لوحدهم بل ذنبنا نحن غالبية الناس , ومن يدفع بدفاعي هذا سأختصر له الأمر
بالأسباب التي تدحض كل قول , نلقي بلائمتها على أمراض أجتماعية سارية
كالنفاق والأنتهازية وأنعدام المساواة وسط مجتمع لم يتخلص من البدواة لحد
الآن , لا زال العيش فيه مثل سباق (ذكور النحل) حين يتزاحمون على تلقيح
(الملكة) يموتون جميعاً ولايفوز منهم الا واحد وشتان مابيننا وبين خلية
النحل التي يضحي أفرادها من أجل الحياة , فيما نموت للاشيء لنذهب هباء, أي
كوميديا جحيمية وجدنا أنفسنا غارقين فيها , الى متى يستمر التيه و المراوغة
والخذلان أما آن الأوان لأستثمار فرص الحياة لنعيش بسلام , كثيرة الفرص
وليس كما يدعي المتشائمون , لدينا عملية سياسية نتمسك بها , فيها بوادر
واعدة رأيتها اليوم تنعكس تفائلاً و فرحاً في وجوه الناس , لوتكاتفت
الجهود و أتحدت النوايا (الحسنة طبعاً) لخرج منها نظام سياسي جديد يخدم كل
العراق , تلك الكلمات التي أسلفتها لم أرد منها سوى أيصال فكرة واحدة ,
حين يمرض أحدنا يسارع الى الطبيب , والأخير يرسل مريضه الى فحص الأشعة
والمختبرات , والهدف من هذا الأجراء لضمان التشخيص السليم للعلّة وتحديدها
والأعتراف بوجودها للتمكن من أيجاد العلاج , فأول ما على النظام الجديد أن
يشخص بموضوعية كل العلل الوراثية والمعدية والسارية لغرض العلاج , وسأوفر
عليه عناء الذهاب للمختبرات , فالعنصر أكس ( سوء الظن و الكراهية والأحقاد )
هي العلة الوحيدة التي أصيب بها العراق , مفتاح الخلاص منها بنبذ التشنج
والفوقية في كل خطاب , وأن ما نراه من مشاكل كثيرة تواجهنا ماهي الا نتائج
ثانوية , تنتهي لوحدها بمجرد نبذ الكراهية وخطابها الذي جلب لنا الدمار ,
مؤكد سيتمكن من دحرها أصحاب الرأي كحزمة واحدة أذا ما توخّوا الأبتعاد عن
كل مثلبة من مجاملة أو تساهل أو تبعيات , سوف يتعافى الوطن والشعب وحتى
المرضى في دول الجوار , وتبقى الثقة أساس البناء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق