الجمعة، 18 أكتوبر 2013

مقامات خضر الياس - صور أجتماعية من العراق

يقول الموغلون في دراسة الحضارات  أن العراق قلب العالم فبه ينبض ليستمد زوادته في البقاء , كذلك  يساندهم المؤرخين ليزيدوا على ماقالوا: أن أرض الرافدين موطن الكتابة و مهبط الرسل و منبت القادة الذين غيروا كثيرا" في العالم حتى تركوا آثارهم لتبقى ببقاء الكوكب مع كل مافيه من معلوم و مجهول لازال بعضها طلسميا" الى اليوم  , فيؤكدون أن 140 ألف نبي (تقريبا") و معهم بنفس العدد من الأوصياء والقادة مرّوا من هنا , يمتلكون قوى خارقة يستمدونها من الخالق يسمونها كرامات , كان أحدهم الرجل الصالح ( الخضر ) ورد ذكره في القرآن الكريم وهو يكشف للنبي ( موسى ) بواطن الأمور من الغيب , ومن هنا تمسك أهل العراق بكل ما يرتبط بالـ (الخضر) من أماكن لأرتباطها بالأعجاز  , قسم منها مثبت تأريخيا" أما البعض ( ربما) كان من صنعهم , أنشئوه على غرار حلم أو رؤيا" أقرب الى نداء يخبرهم بأن المكان (الفلاني) كان أحد محطات (الخضر) فأتخذوه مقاما" .
مقام الخضر في الشريعة التي تحمل نفس الأسم في محلة (خضر الياس) في صوب الكرخ , مقاما" بمنارة ترفرف عليه بيارق خضر , تتهادى مع أنسياب مياه دجلة , أغلب رواده  من النساء , عجائزا" و صبايا" , عذراوات أو متزوجات  مختلفات, لاتجمعهن سوى الأماني والأحلام , ففي زيارة المقام تتبرك النساء و ينذرن النذور , بالعاجل أو الآجل , صينية خضر الياس وأطلاق الشموع الى وسط نهر دجلة بعد أشعالهن على ألواح طافية لاتبتل بالماء, أحتفاليات كثيرا" ما تنتهي بأقامة الولائم و الموالد يعبرن بها عن الأمتنان
ولمقام خضر الياس نسخا" في أماكن أخرى (الأسكندرية جنوب بغداد و بابل في مدينة الحلة و شرق المدحتية)  , المقامات منتشرة تقريبا" في كل مدن العراق , ربما تختلف بالتفاصيل لكنها تشترك بأنها نقاط تقديم المطالب للفقراء خصوصا" النساء , هناك طقس لازال متوارثا" , تأتي الصبايا" في آخر أربعاء من شهر شعبان (الهجري) و يقمن بخلع عباءاتهن ورميها على صحن المقام , ويرددن أمنية أغلبها أن يحصلن على عريس , (مليح وزنكَين وأبن أوادم وحبّاب ) وطقس آخر أن تقيم صاحبة الأمنية المحققة نذر على شكل صينية فيها مالذ وطاب من الحلويات معها ورد الآس و الجوري والقداح وسط الشموع المضيئات .

يقول أحد الشعراء الشعبيين (عريان السيد خلف ) عن مقام خضر الياس : 

 
أكعد بالشريعة اكَبال خضر الياس
واشعلهن اسنينك
بلجن الغيّاب
بلجن بالجذب يندك عليك الباب
والله الحزن واهس والصدك جذاب
.. 


 أطلاق الشموع الى مجرى نهر دجلة في وسط بغداد قرب مقام خضر الياس

        مقام خضر الياس على ضفاف دجلة
شريعة خضر الياس
 محسن الجنابي : سلسلة تراث بغداد وصور أجتماعية من تاريخ العراق


فوكَ النخل فوكَ : أغنية و حكاية ومفهوم عراقي خالص مميز

أصل الأغنية الشهيرة (فوكَ النخلَ) التي غنّاها المطرب المبدع  ناظم الغزالي هي أبيات شعرية فلكلوريّة أتت من حكاية تقول : أن شابّا" أعزب ( أزگرتي بالمصطلح البغدادي الدارج ) أتى من خارج بغداد أليها  لغرض الدراسة والعمل في بداية القرن العشرين , كان مستأجرا" لغرفة في خان يتألف من مجموعة غرف بطوابق عدة تطل على باحة بشناشيلها , وتقول الحكاية أن الشاب لمح بريقا" لوجه فتاة جميلة في واجهة أحد الغرف العلوية , كان المشهد أستثنائيا" بسبب شحة الوجوه المكشوفه فالمرأة آنذاك متوراية خلف الجدران والقماش الأسود , فأرتجل أبياتا" تغنى بها , تقول :
فوك ألنا خِل ... فوكَ
مدري لمع خدّه مدري ضوى الطوك
وتلك الأبيات أنتشرت ليتم تحريفها أنسجاما" مع الحاجة و موسيقية المفردات لتظهر بصورتها التي شهدناها في الأغنية , حتى أن البعض أستخدما مثلا" فيمن يمتلك جمالا" أو نجاحا" أو مالا" , فيقول الناس (فلان فوكَ النخَل) وتعني أنه في القمة مما يملك , على سبيل المبالغة في الوصف لأيصال الفكرة بأسلوب عراقي محبب .



شناشيل بغداد - حكايات و فلكلور تراثي نادر
تقديم : محسن لفته الجنابي