الثلاثاء، 16 يوليو 2013

معارضون أم طغاة أم توائم متماثلة

أن تكون معارضا" أفضل كثيرا" من أن تكون في السلطة فوضع الهجوم أسهل من الدفاع فالمعارض يبتكر و ينشيء أساليب متجددة ترهق المرابطين في ثكنات السلطة ممن لايعرفون سوى الدفع بالتهم بنمطية و أستعلاء دون موضوعية أو حيوية تواكب أساليب المعارضة المتأتية من أفق أوسع ورؤية شاملة ناهيك عن المجال الواسع للمعارضين في التحرك لكسب المؤيدين والتحشيد وفق نظرية (عدو عدوي صديقي) تلك النظرية اللامنطقية المجحفة التي كثيرا" ماتصب في جانب الثوار وترجح كفتهم على المنشغلين بالحكم و السلطة وأن شبهها البعض بالعهر السياسي أحيانا" لكن الغاية تبرر الوسيلة بحسب مفهوم كل الطامعين بالسلطة , بمجرد أن يعلن أحدهم معارضته سيجد حضنا" ودعما" ربما يصل الى جيوش وأسلحة , لو عدنا لواقعنا خلال العقدين المنصرمين سنجد الدليل على ماقدمت تلك النظرية للاعبيها ولازالت مستمرة حين بلغ دعم المعارضين ذروته في أيامنا الحاضرة مع سقوط ميثاق عدم التدخل في الشأن الداخلي وأصبح التدخل هو القاعدة , جل بلداننا أنظمة دكتاتورية متشابهة من المؤسف أن تبقى جميعها على حالها, (العراق ومصر و ليبيا وسوريا و المملكة السعودية وتونس والجزائر والمغرب والأردن .. ألخ ) , في البدء نعود الى ماجرى في العراق في تسعينات القرن المنصرم نجد نظاما" لايختلف عن أنظمة كثيرة أن لم يكن توأما" لها , حصل أن تحرك عدة أفراد غادروه منذ عشرات السنين يحملون الحنين الى المال والسلطة , كانوا ينظرون له كمُلكٍ مغتصب و فريسة سهلة , أستولى عليها من لايستحقها وهم الأولى بأمتلاكها, مارسوا التأليب والشحن ضد العراق المثقل بالحروب و الظلم حتى صوروه كدولة تنتمي الى محور يشكل خطرا" على العالم بأكمله وساهمت الأخطاء الستراتيجية للنظام نفسه بتسويقها كحقائق للرأي العام فكان أول نجاح حين ساند الغرب تلك الحملة وفتحت خزائنه المخابراتية لدعاتها من المعارضين الثوار الذين لايعرفون العراق كما أهله , واجهت الحملة جدارا" صلبا" بسبب طبيعة الدولة الدكتاتورية ومؤسساتها المغلقة حتى عجزوا عن تأجيج أي ثورة داخلية فركبوا خطة الغزو المباشر العلني فأسقط نظام صدام في العام 2003 واكبه سقوط هائل للضحايا وتدمير ممنهج لبنية الدولة مع تغيير في بنية المجتمع أتت من حالة الفراغ والفوضى , فحين وصل الثوار المفترضون ليتقلدوا مناصبهم تبين أنهم طارئون على بلد تحول الى ثقافة و مجتمع مغاير تماما" لما كان يدور في مخيلتهم وكان الأمر معهم أشبه بصدمة زادها تخبطهم, فهم لايملكون خطة تحتوي كل هذا الكم من المشاكل العظمى التي تواجههم , تصوروها ستختفي مع موارد نفطية هائلة وأنفتاح مدعوم من الدول الكبرى , مع أشباع جزئي لحرية طالما عانت الكبت لتكتفي بنزر يسير من أي ديمقراطية حتى وأن كانت مزيفة , فلجأوا الى نفس الأسلوب الذي تستخدمه أنظمة السلطة الكلاسيكية في المنطقة , مجرد الدفع بقالب جاهز كان يستخدمه أسلافهم من دكتاتوريين وطغاة السلطة , تلك الثلة نفسها أتت بديمقراطية شكلية تشبه الى حد ما ديمقراطية النظام العراقي السابق المزيفة طبعا" والمتمثلة بالمجلس الوطني تشبه أيضا" مجلس الشعب المصري أو صورة مطورة عن النظام الأيراني في ديمقراطيته الأنتقائية المقيّدة , أنكفأ المتربعين حديثا" على السلطة في الدفاع عن غنيمتهم فيما يهاجَمون طول الوقت من قبل معارضة علنية وسرية جعلتهم في مصاف الدول المتأخرة أن لم تكن الفاشلة لم يأتِ من فراغ فالواقع فيه من الأدلة الكثيرة الدامغة, نفس التأليب يعيد نفسه ولا أختلاف الا بأتساع التأثير الأعلامي مع ثورة الأتصالات العالمية التي بلغت أيضا" ذروتها لترجح كفة المعارضة , أسهمت الاخطاء الستراتيجية في تسويقه للرأي العام ليفضح الكتم والأقصاء مع الفساد والأنفلات الأمني الذي لم يشهده تاريخ العراق وكل المنطقة , لتكون الحصيلة السياسية تربع المعارضة السابقة على أنقاض سلطة دكتاتورية مطابقة لها في كل تفاصيلها ونشوء معارضة جديدة تابعة بنفس الطريقة السابقة, فأستبدل البعث الشمولي بنخب سياسية شمولية أيضا"تمارس أبشع الأساليب في أستباحة المقدرات والأرواح من أجل مكاسبها وحدها دون أدنى خطة لأحتواء الوطن و شعبه, ليهمش المواطن الذي يمثل لبنة الشعب في زاوية خانقة بعد تطور الحياة وأزدياد متطلباتها مع عولمة داهمت المجتمع دون ضوابط أو قوانين تنظمها مع تبعية أقتصادية تمتص أغلب الموارد رافقها أرتهان لأنشقاقات مذهبية جعلت الناس في حيرة وتشكيك ليزيدوها تعقيدا" بالأوهام و التخويف من الأبادة الشاملة تسوقها السلطة نفسها لتنخر في الهوية الوطنية وتدق ناقوس الخطر لأحتمال تفتيت الوطن وحصول الكارثة, فكانت النتيجة دولة فوضوية فاشلة , كذلك الحال مع ليبيا" أستبدل نظام القذافي بثوار أشد تخلف من نظامه , مجاميع من الميليشيات تدعي الشرعية الثورية وتجعل الدين وجهها الظاهري لتبقى المصالح الشخصية جوهرها , ولايختلف الحال في تونس ومصر واليمن فيما يسميه المتفائلون بالربيع العربي , حين وثب المعارضون لينفردوا بالسلطة , يجيرونها لأنفسهم على طريقة سلفهم فيما هم يشتمونه نراهم يقلدونه في كل تصرفاتهم وكأنهم نسخته الأسوأ, لنجد أنفسنا أمام خيبة كبيرة ونحن نكتشف يوما" بعد يوم جوهر المعارضات المعاصرة , نخب من الدرك الأسفل في الفكر , فارغة من الأصالة والأنتماء والأبتكار لاتكلف نفسها السعي لتحقيق أبسط تطلعات الشعوب في الحرية والعدل والمساواة ولاتملك خارطة مستقبلية أو خطة , ربما يكون جزءا" من الخلل بالشعوب نفسها كمجتمعات بدائية لايمكنها التفاعل مع مفاهيم الديمقراطية الناجحة وليس فقط بالنخب السياسية الفائزة بالسلطة , رغم أن الأخيرة لم تزل تعاني عقدة الظلم لتصب جحيمها كل على الآخر في التفرد والتسقيط و الفساد يقابله التفشي في الجرائم المجتمعية التي أنتشرت في كل مناطق الديمقراطية المستوردة المزيفة , أما آن الأوان لثورة شاملة , تأتي من الشعوب نفسها , تحدد أهدافها و ترسم طريقا" ينهض بالأنسان كمشروع يفضي الى بناء ديمقراطي رصين تحكمه قوانين صارمة , أم أن الشعور بالأنهزام لازال جاثم على المشهد ليستعين الثوار المعارضين بالأجنبي وحين يصلون يعاد مسلسل الدكتاتورية المزمن دون تغيير جذري ينشيء للأنسان قيمة مثلى كرسالة كونية تجعل الحياة يسيرة متحضرة , مع الأيام الأخيرة حدث أمر جلل كانت ساحته مصر , قام به أغلبية تمتلك الحد الأدنى من الأدراك الأنساني الوطني ليعيدوا الأمور الى نصابها بعد أن سرقت منهم الثورة على يد نخبة معارضة لها تاريخ يعود الى ثمانين سنة حين أنفردت لتستبيح لنفسها السلطة والموارد والقرار مع بوادر فشل ذريع حول البلد الى فوضى , تم خلعها بقرار أشترك به الشعب وجزئه العسكري المتثمل بالجيش ليعيدوا للأنسان العربي هيبته حين أنتخى الجميع لينبثقوا من عمق الواقع و المعاناة وآلام الشعب ويشكلوا سلطة سليمة من الأمراض والعقد , ولذلك نجحوا وسينجحوا ليجعلوا مصر في مصاف الدول المتحضرة أما بقية البلدان فستبقى ترزح تحت أنظمة دكتاتورية وأن أجرت أنتخابات كل شهر , لأنها وريثة لعُقد لا تمنح للغير فرصة المشاركة بالأقصاء والتهميش والأستيلاء على المقدرات والسلطة .. مجرد تنظير لمشهد واقعي لم يكن تشائمي فنحن بحاجة الى معارضة أصيلة ليست طارئة فقد دفعنا ثمنا" غاليا" خلال ماضينا ولن ندفع المزيد بعد أنجلاء الصورة ولنتعلم من مصر وشعبها أصول اللعبة و أسلوبها .

الكاتب والباحث والأعلامي محسن لفته الجنابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق