الأربعاء، 26 فبراير 2014

يوميات أهل الطرف : حلم زنوبه بالجنة

زينب لم يظهر أسمها مع الناخبين , أجابها الموظف بأن فترة تغيير المراكز أنتهت وحين دقق في حاسوبه قال:
أسمك هناك بعيداً حيث كنت قبل الزواج مع أهلك في الحلّة (تلك المدينة التي ضربت اليوم بستّة مفخخات فيما هي غافية على كتف الفرات تأكل الباگلّه) .
عادت زنوبة لبيتها محبطة , فلايمكنها أن تنتخب في منطقتها , ومن الصعب أن تذهب لأهلها وخلفها (جرويط) أولادها الخمسة , ربما يطبقون حظر التجوال لأيام متتالية , وفوق ذلك طباع زوجها المقفول دماغه بمفتاح رماه الجهل في قعر المحيط المنجمد فهو لايسمح لها بالخروج أكثر من مسافة مئة متر .
أنتهزت ذهابه الى (مقهى المتقاعدين الشباب) في شارع (المطبّكَ) كعادته لتطوف على بيوت المنطقة ضمن المدى المسموح به علّها تجد مخرجاً
طرقت بابنا ورفضت الدخول , خرجنا لنقف كل أمام بابه , كانت تسحل عبائتها وكأنها تجر قاطرة و تنادي:
وين أهل الغيرة منو عنده واسطة , عرف , أريد أنقل أسمي من الحلّة لحي النصر , أستمرّت تهذي : أريد أنتخب , أريد أنتخب .. شلون ياربي
ترجمت هذيانها بلغتي : كيف يحرموني من أول شعور بالوجود , كيف يضيعون بسهولة حلمي , المسكينة (تخرمش و تلطم) ..
تطوع أبو عماد ليخفف من صدمتها : يمعوده على كيفچ أشخبصتينا , آني الگدامچ مرحت للأنتخابات الأخيرة , لأن غاسل أيدي بسبع صوابين , قابل صوتك فد مندلة , أصلاً الأنتخابات مابيها ثمرة وسالفتها قشمرة , صديقي ترشح و أنتخبته مرتين وبأثنيناتهم خسر لأن مو من عدهم , وحده منهم حصّل عشرتالاف صوت ,تاليها طلعوه وجابوا واحد ما محصّل أربعميّه , هاي اللعبة مفصليها تفصال بس لجماعتهم ولحد يغالط نفسه , شفتي شلون طلعوا البطايق الأنتخابية أم الشريحة خلال شهر واحد , لو شغلة بيها فائدة للمواطن كان بقت خمسين سنة .
تقدمت الحاجّة أم سعد نحو زينب تحاول أستعجال أبو عماد كي ينهي كلامه لترمي جمرها وبدأت :
أما صدكَ بطرانه , خايبه شوفي ذولي الحواسم صارلهم عشر سنين وهاي طبينا الدعش , أخذوا المتنزّه وبنوا بيوت دبل فوليوم وطين و تنك ومحد أجاهم حاسبهم , وحصرونا حصرة الچلب بالجامع , بروح والديچ كم أنتخابات صارت و المنطقة خايسه وسمعتها سودة ومصخّمه بسببهم , الله ينعلهم ..
(كانت تركز على هاجسها المؤرق , مشاكل العالم تختصر عندها بـ(الحواسم) فقط , فأولويات الناس تختلف بحسب الضرر ولايوجد هدف عام مشترك , وتلك هي الطامة الكبرى عندنا)
أم هشام أنزلت قنينة الماء الكبيرة من فوق كتفها وعدلّت من هيئتها وكأنها تستعد لخطبة بدأتها : خايبه أنتِ صدكَ سفيهه وماعندك عقل , شفت الوادم ملتمة يم بابنا وأنهبطت , منّاك الأخبار تاخذ الروح و الدنيا محتركَه وأنتي حايره وين تنتخبين , عاد شلون أنتخابات عليها العين جلگه .. الثولة ذابحه روحها ماعدها شغل وعمل , بالأول روحي شوفي روحك بالمرايه بلكي الله يهديچ وتعدلي چهرتچ , الله يطيّح حظّچ ( أم هشام مصابة بمتلازمة الأنقضاض والفوقية أحد أمراضنا السارية يندرج تحت باب التطرف المنتشر في البلد) .
سمع أبو هشام ما قالته زوجته من تهكّم غير مسبوق فخرج ورمقها بنظرة أقرب الى (جرّة الأذن) فأنسحبت الأخيرة بسرعة, وأرتجل معتذراً :
عمي زينب الأنتخابات ظاهرة حضارية و هي الطريقة الوحيدة للتغيير وماكو غيرها , بارك الله بيچ لأنك وطنية و حريصة على البلد , عندي خوش مرشّح حبّاب و يفيدكم يشتغل مدير عام بدائرتنا , الرجّال فايز حي ع الصلاة , بس هم نحتاج وگفتكم (نبذه عن أبو هشام : رجل عملي يمتلك مهارات عجيبه في تحويل كل حدث أو ظرف الى صفقة فيها منفعة , حتى الأنتخابات ينتهزها ليخرج بمكاسب مادية و معنوية تجعله افضل من باقي جيرانه ليعلو النسق في عموم حي النصر )
أجابت زينب متهللة : خلف الله عليك أبو هشام , أنت خوش رجّال وتفتهم , وآني مراح أزعل من مرتك , حقها متعرف بيّه مثقفه و خريجة سادس ثانوي , بس أهلي زوجوني لجاسم و حرموني كان هسّه طبيبة الله ينتقم منهم , شلون تاليها , مراح أگدر أنتخب ؟
جواب أبو هشام أفرح زينب , لكنه لم يعجب أبو عماد وأم سعد , تحول الأمر الى سجال بينهم , جعلني أبتعد , نفس (القوانة) التي مللناها , تفاؤل غير موضوعي مع تشاؤم مبالغ فيه , تحول الى جدل ثم معركة تستخدم فيها كل أسلحة التاريخ السرّي والعلني للأطراف المتصارعة , مع مقارنات طويلة ما بين الأنظمة الحالية و المنصرمة , وفي النهاية يرمون عليها بالخراب الذي نعيشه في حاضرنا .
لا فائدة من الكلام , حتى رغبتي بأستعراض نفسي أمامهم صارت مزعجة , يتهمونني بأنني معقّد , كان حكمهم فسحة حررتني من سخافاتهم , أصبحت في منئى عن القيل والقال ونقاشاتهم التي تشبه (طبخ الحصو) في هذا الحي الميّت سريرياً من زمن نوري سعيد والبكر , فهو غارق بالمصلحية والعهر والتخلف , أردت أن أقول لزينب أن الأنتخابات ظاهرة حضارية كما قال أبو هشام , وأنها لاتفضي الى نتيجة كما قال أبو عماد , أي تناقض , لحظة من فضلكم , فقد أكتشفت بأنني مثلهم , وفي نفس الوقت أستنكف منهم , أذاً النتيجة أنني أبشع منهم , أردد مايقولون بالضبط , جميعنا يعاني متلازمة الجبن و سوء التشخيص أبداً , من يجروء أن يقول الحق , أهناك شجاع يجروء أن يهمس بأن المشهد خراب و أبطاله ميئوس منهم , أسعفتني أهزوجة تقول ( ماكو شريف وحبّاب , عربانه مليانه چلاب) , ربما وحدها تختصر المشهد , أردت أن أغيض (أبو هشام) وأصرخ : أنت رهينة لخيارين لاثالث لهما أما الصمت مع القطيع خاصتّك أو الموت على قارعة الطريق لتنتهي مثل بعرورة سحقت , فالأرهاب وحده المزدهر يمتلك الحريّة المطلقة نترنح تحت ظلاله بصمت ذليل ليستبيحنا , الأرهاب مفهوم مطاط , لباس يوسف يقد من قبل وأحياناً من الدبر صار بأمر صاحب الأمر ,لكننا نعرفه بمفهومه الثابت رمزاً للشر بكل أشكاله وصوره , يقولون لادين له , كذب في كذب , فهو يتنفس بأسمه و بينهما علاقة الماء والشجر , الناس مخلوقات صامتة بكروش لازالت تشهق عاجزة عن الزفير والتململ فكيف لها أن تقوى على الحراك والعمل من أجل الحاضر والمستقبل , مامعنى أنتخابات يتشدق بها وحوش عطشى للمال والدماء , تسبقها تصفيات و تطهير وأبادة بأسلحة شتى , حملات من العهر الرخيص المكرر , مجرد عملية تجديد للبيعة ,منافسهم سيبعد أو يقتل وإن نجا بأعجوبة مؤكد سيخسر , وهنا نتسائل , مادام الخيار محتكر بيد الجوقة نفسها ماهي قيمة أصواتنا , هل يبقى من الديمقراطية شيئاً عدا أسمها , كلمة فارغة تنحرف في الدلالة لتعطينا معنى العبودية المطلقة , نحاول توظيفها رغم أنحرافها لتمنحنا أنتصارات وهمية تخدرنا مؤقتاً نحن المغلوبين على أمرنا , فديدن كل كيان يغرق تشبّثه بـ(سبّاح النخل) ولازلنا مثل (زنوبة) مفلسين لانملك زوادة , سوى الحلم . 
محسن لفته الجنابي  2014 / 2 / 19 - 08:13  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق