الأربعاء، 7 أغسطس 2013

العلّامة الدكتور علي الوردي بضيافة كماشة قرندل

 العلامة الوردي هو الدكتور الثاني الذي تنزله قرندل عن برجه العاجي باختياره .. الوردي إنسان مثقف اختلفت فيه الأراء عندما نزل الى ميدان الاجتماع والادب .. لقد صال وجال دون ان يلقي سلاحه جانبا ودون ان يستسلم ومن هنا نشاء تقدير جمهور المثقفين له .. ولكل انسان لايستسلم ولايسكت عن قول الحق .. او ابداء الراي الخالص في الناس والحياة والكون .. لقد ثارت عليه ومازالت ثائرة الادباء والشعراء وقادة الفكر في البلد ولقد رجمه من رجمه وصفق له من صفق ولكنه مازال يصول ويجول بأدب ومقدرة ..

قلنا له – وقولنا نفاق ادبي من اجل الحقيقة :- 
قال عنك الدكتور علي الزبيدي انك قرقوش .. وقال عنك الصراف ان ثمة ذراعا تحت إبطك تقيس به حوادث التاريخ وقال عنك الدكتور محمد البصير .. ان طفراتك من حقول الاجتماع الى رياض الادب ليست موفقة .. 
قلنا له كل هذا وقد سمعه الوردي من قبل .. فابتسم وقال..
انا لا أقول فيهم شيئا ولكل واحد وجهة نظره في.. (خلهم يكولون خلهم) انها وجهات نظر وللكل الحق في ابداء رايه. 
ولقد سبق ان قلت في الادب ناحية اجتماعية وهذه الناحية هي التي اعنى بها وبدراستها .. اما الادب المحض فاني اعترف بالعجز فيه وللادباء الحق في ان يلوموني كل اللوم على حالة اصراري التدخل في الادب من حيث هو ادب لامن حيث هو صورة من صور المجتمع البشري .. 
وهناك ملاحظة اود ان الفت انظار القارىء اليها .. هي ان خروج أولي الاختصاص عن موضوع اختصاصهم الى موضوع اخر قد يفيد احيانا وقد حدث مثل هذا كثيرا في تاريخ العلوم المختلفة ، حيث ان المختصين في موضوع معين قد ينهمكون في الموضوع ضمن اطار تقليدي ولهذا يصعب عليهم ان يكتشفوا بعض نواحٍ جديدة فيه .. ومن هنا تاتي فكرة غير الاختصاصيين حيث يستطيع هؤلاء ان يلفتوا انظار المختصين الى بعض النقاط التي كانوا غافلين عنها .. واقول ان كل ما قالوه وفي كل ما نعتوني به هو ليس الا وجهات نظر .. وللكل الحق في ابداء رايه .. 
لقد اشغلوني .. وان انشغالي في المجادلات مع اخوتي الادباء – سامحهم الله – اشغلني عن انجاز اخر كتبي المعنون (لغز الاحلام) وارجو من الاخوان ان يمهلوني بضعة اسابيع حتى انتهي من اخراج هذا الكتاب ولهم مني الشكر الجزيل..
وبعد قلنا للدكتور الوردي .. ان هافلوك ارسن الفيلسوف الاجتماعي الكبير والشهير بابحاثه الجنسية دعا الى الزواج الانفصالي .. أي ان لكل واحد من الزوجين ان يعيش منفردا فلا اجتماع لهما بعد الا ان يحددهما موعد كالعشاق .. ولكل واحد شخصيته المستقلة وتصرفاته الخاصة وعلاقاته بالافراد فما رايك بهذه الدعوة ؟. 
-    وبعد تردد طويل .. قال ..
لااستطيع ان ابدي رايا في موضوع الزواج الانفصالي لقلة علمي به ولكني مع ذلك استطيع القول ان النظام القديم صار في الاونة الاخيرة موضوع نقدات وهجمات متنوعة من قبل الكثير من الباحثين واقترح بعضهم علاج شتى لما اسموه بماساة الزواج القديم ومن الممكن اعتبار راي هافلوك ارسن نوعا من هذه الاقتراحات .. ولي ان اقول الزواج القديم اعتاد عليه المجتمع البشري وهو يلائم الظروف التي كان البشر يعيشون فيها في الازمنة القديمة حيث كان الرجل يسعى وراء الرزق وتبقى المراة في البيت ترعى شؤون البيت والاطفال .
واليوم فقد بدات المراة تسعى وراء الرزق كالرجل واصبح الغسيل والطبيخ في كثير من الاحيان تقوم به مؤسسات وشركات تكون من خارج البيت . وبهذا تمكنت المراة من ان تترك بيتها في سبيل العون دون ان تجد في ذلك مشقة او ضير .. وان الحضارة الجديدة بعبارة اخرى تكاد تذهب.. بوظيفة المراة في البيت وقد تشكى بعض الباحثين الاجتماعيين من هذه الظاهرة وعدوها إيذانا بتفسخ الحضارة ومهما يكن الحال فانها ظاهرة قوية المأمول فيها ان تسود العالم عاجلا ام اجلا .. ومن هنا جاز لنا القول ان الزواج الانفصالي الذي دعا اليه هافلوك ارسين قد يجد له مجالا للانتشار بين فئات كثيرة في الناس في المستقبل اذا يتفق الرجل العامل والمراة العاملة ان يعيش كل منهما على حدة ثم يلتقيان في موعد بينهما كما يلتقي العشاق.. 
ثم سالناه عما اذا كان ومازال كاحد افراد الزيدية فاجاب بعد ضحكة عريضة ..
*    الحقيقة التي لااتردد في اعلاني لها هي انني مازلت اعتبر عقيدة زيد بن علي هي العقيدة الوسطى في الاسلام واذا صح من قال ان خير الامور أوسطها فان مذهب زيد بن علي هو خير المذاهب .. ولايعني هذا انني وافقت على ما عليه الفرقة الزيدية في الوقت الحاضر .. فلقد حادت هذه الفرقة عن مذهب امامها بمرور الزمن كما حادت جميع الملل والنحل عن مبادىء مؤسسيها الاولين .. 
-    الا ترى انك بدات تقيس الامور على طريقة المنطق القديم التي ناهضتها في كتبك السابقة .. يعني لانه قلت ان خير الامور اوسطها؟.
*    نعم هذه دقيقة وبعد ان يضع السيكارة السادسة وياتي عليها يقول اود ان اقول بان مبدا خير الامور اوسطها ليس من المبادئ التي احتكرها المنطق القديم فهو لايزال صحيحا حتى يومنا هذا وهو ما يعرف اليوم بالاعتدال وقد ثبت علميا بان الزائد في الامور كالناقص .. اذ لكل شيء حده الملائم له فازداد عن حده واذا نقص عنه أضر كذلك .. وبعد ان اولعنا له السكارة السابعة قلنا له -    مصطفى جواد من رواد السينما المزمنين ومن المولعين بالافلام الاستعراضية والصراف من المولعين بالدروشة والغناء والمسموع انكم مولعون بالغناء وركوب الدراجات الهوائية فهل هذا الكلام صحيح ..؟ وما هي هواياتك؟.
*    وهنا يقول الدكتور مع الابتسامة .. والله يابه ناسي ما ولعي وما هي هواياتي .. لكن الحقيقة انما قيل عن تولعي بركوب الدراجات لااساس له من الصحة اما هواياتي اذا اردت فهي الذهاب الى السينما مع اولادي لمشاهدة الافلام التي استطيع ان اشترك بالتمتع فيها مع الاولاد فقد اجد صعوبة في اختيار الفيلم الذي نستطيع التمتع به جميعا مع هذا فنحن لانمل الافلام الهزلية كافلام لوريل وهاردلي المعروفة بالاوساط العراقية بـ(السمين والضعيف)..
وثمة هواية اخرى هي مطالعتي لكتب الملالي التي تستوعب جدلهم الفارغ حول العقائد .. وهنا يكاد الدكتور يمثل هذه الملالي بيده ولسانه فيؤشر قائلا .. تصور سخيف يرد على سخيف ويتعصب الى رأيه تصور اثنين فارغين انني اتلذذ بهذه الكتب وقد يتخيل لي اني اشاهد احد افلام لوريل وهاردلي الهزلية .. وعند انتهاء الدكتور من اشعال سيكارته الثامنة سالت عن قيمة شخصية الفرد العراقي اذا ما قورنت بقيم الافراد في البلدان العربية والاسلامية المجاورة فاجاب ..
*    الذي اميل اليه ان المجتمع العراقي يختلف كثيرا عن المجتمعات الاخرى بصفة خاصة به وهذه الصفة اتت من كون العراق قد وقع من قديم الزمان تحت وطأة البداوة والحضارة بدرجة متوسطة فهو واقع على حدود الصحراء من ناحية ومن الناحية الثانية ان العراق ذو حضارة عريقة فمثلا نرى ان البداوة غالبة على المجتمع الايراني ولكن العراق واقع في الوسط فهو يستمد من حضارته القديمة وثرواته البداوية الكثير من قيمها واخلاقها وفي نظري ان هذه من المشاكل الزراعية للعراق الكبرى .. حيث اصبح الفرد العراقي كما قلت في مناسبة سابقة مزدوج الشخصية تارة حضاريا وتارة بدويا .. 
ثم طلبنا منه رأيه في وجودية جون بول سارتر فقال بعد تفكير ليس بالقصير 
*    والله فكرتي عن الوجودية غامضة اذ لم اتعمق في بحثي عن الوجودية ولا استطيع ان افرق بين وجودية سارتر او غيره انما الوجودية ليست علمية ولا تتلاءم مع النظريات الحديثة التي جاء بها علم النفس والاجتماع والانثرو بايلوجي فالوجودية تقول بان الطبيعة البشرية تقوم على اساس الحرية المطلقة ولكن علم النفس الاجتماعي اثبت ان الشخصية البشرية قائمة على اساس التفاعل بين الطبيعة الموروثة في الانسان والقواعد الموجودة في محيطها وهذه القواعد كما لايخفى ليست سوى قيود على الحريات كما يفهمها الوجوديون فالطفل الذي ينشا على الحرية حيث يتركه ابواه يعمل ما يشاء فانه ينمو بلا شخصية ولا عقل كالحيوان ومعنى هذا ان شخصية الانسان لاتنمو الا اذا كانت هناك موانع اجتماعية وقواعد تضبط سلوكه وبنتيجة التفاعل بين الضوابط وبين نزعته الطبيعية تنمو شخصيته وينضج عقله اما عن سارتر والفرق بينه وغيره من الوجوديين فلا اعتقد اني قادر على الحكم في مثل هذا الموضوع لانني قليل الاطلاع في امر الفرق بين زعماء الوجودية. وتنتهي مع انتهاء جوابه عن الوجودية في سيكارته العاشرة التي يعقبها باخرى .. قلت له :
-    لم يبق عندي غير سؤالين واخشى ان تكون قد تعبت فقال لا ..لا .. اسأل والله شيء ممتع .. قلت له بماذا تعلل الكرم وكرم العرب بالذات فاجاب ..؟
*    الكرم او الكرم العربي منشؤه البداوة فالبدوي يعد الكرم من لوازم الشجاعة ذلك لان البدوي قد اعتاد ان يحصل على رزقه بحد سيفه وقوة ذراعه فلا مجال في البداوة للبراعة المهنية في سبيل الحصول على الرزق .. والبدوي بصورة عامة يحتقر كل ذي مهنة .. ولايخفى ان صاحب المهنة بوجه عام يميل الى الاقتصاد لاحتياط الغد..
-    اما اخر ماطلبناه من الدكتور فهو مقترحاته لحل مشكلة البغاء وسألناه عما اذا كان فتح مصرف يعين القادمين على الزواج مجد ام لا فقال .؟
*    في رأيي الحكومة قد اخطأت خطأً فظيعا في سياساتها اتجاه البغاء فالبغاء لايمكن ان يقضى عليه ولاتخلو أمة من الامم من البغاء ويجب على الحكومة ان تعترف بخطئها وان تكيف سياساتها والظاهر ان الحكومة ستحاول ان تقضي على البغاء قضاء نهائيا هذه الايام وهذا الامر لاينتهي عند حد لان البغاء لايمكن القضاء عليه.. لقد كان من اللازم اول الامر ان لاتسد الحكومة المبغى العام .. انما تحوله الى مكان بعيد منعزل ثم تبدا النظر في المشاكل التي تنتج عن البغاء كقضية استغلال الساذجات من الفتيات ويربطهن بسندات والنظر الى قتل المراة وما شابه .. ولو فعلت الحكومة ذلك لتخلصنا من كثير من الشرور التي نعانيها اليوم.
*    والى هنا ودعنا الدكتور شاكرين فضله بعد ان امضى معنا ساعتين ونصف اتى فيها على علبة سجائر كاملة .. 

حاوره الصحفي خليل الشيخ علي 
مجلة قرندل  بغداد/ تشرين الأول 1957



تحقيق محسن لفته الجنابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق