السبت، 8 أغسطس 2015

حكايات أهل العراق - كتابات ساخرة - محسن العراقي

بحكم العمل ألتقيته مرات متباعدة عدة , كان وجهه وتركيبة جسمه من تلك النوعية التي لاتنسى وتجلب الأنتباه يشبه (السيّاب) أو (فاضل عواد في السبعينات) تم تعيينه كأختصاصي في علم النفس في دائرة قريبة تتوافق مع طبيعة عملنا وله في الوظيفة أربع سنوات , أنه الصديق (ت) , شاب رغم مسحة الحزن الواضحة على وجهه يحمل كبرياء نسميها (أنَفَه) تلك الصفة المميزة للعراقيين الحقيقيين قبل أن ينال من غالبيتهم التملق والرياء .
أخبرني أحد أصدقائي مرّة أن وضعه (خاص) , زوجته الشابة مصابة بالسرطان عافاكم الله ,أشترى قطعة أرض وبنى عليها غرفة واحدة لم تكتمل الى الآن , وأنهم - أي زميلي وبقية الزملاء - أتفقوا على جمع مبلغ من المال يقدمونه له كهدية أو مساعدة كل شهر وهي مقبولة بين الأصدقاء , وتم فعلاً جمع المبلغ وتقديمه له بالسر من قبل أحد الناشطين في تلك الأمور , لكنه فاجأ المبعوث حين أنقلب أمامه الى وحش تقدح عيناه بالشرار , أعتبرها إهانة كبيرة , رفض وعاتب الجميع على فعلتهم الشنعاء أشد العتاب .
همس لي أحد الأصدقاء بأن صاحبنا - الكينوني أعلاه - هو الموظف الوحيد في العراق الذي يشتغل في (العمّالة) أيام الجمع والعطل من أجل توفير ثمن العلاج لزوجته , ذلك العلاج المكلف ولايطيقه حتى الأغنياء.
قبل يومين ألتقيت بأحدهم وأخبرني بأن مشكلة جديدة لاحت بالأفق وهبطت على رأس صاحبنا (ت) فقد تم الحجز على راتبه الشهري جميعه , ومصدر الحجز كان قرار لجمعية حكومية بسبب أنه كفِل أمامها أحد الأشخاص الذي أشترى منها (مواد بناء وأجهزة وأغراض) وأن الأخير لم يسدد لعدة أشهر مبلغ الأقساط .
وبعد التحقق من الأمر تبين أن الشخص الذي كفله صاحبنا هو أحد المفقودين في معسكر (سبايكر) ومن عائلة فقيرة جداً تستحق العون وقبله الرثاء , رفض (ت) أشد الرفض بأن يخبر عائلة المفقود بما جرى له بسبب كفالة أبنهم , ولازال يرفض رغم خسارته لراتبه الذي يعتبر زوادته الرئيسية فيما يواجه من مصائب الحياة , أتصلنا به تباعاً لنقنعه بأن يتصل بذوي المفقود لتسديد الدين , لكنه رفض مجرد التفكير بذلك , أخبرني شخصياً بأنه يفضل الموت على أن يخبر عائلة مفجوعة بأبنها بأنه (يطلب أبنهم دين) , فالمصائب مراتب ولايمكن التعدي على الفواجع منها , حتى وإن خسرت راتبي لسنة أو سنتين , لو رأيت حالهم لبكيت عليهم وكذلك يفعل العدو أو الصديق , أضرب نفسي (طلقة) ولا أطرق باب هؤلاء المساكين ..
كان يحدثني وكأنه أغنى رجل في العالم حتى فكرت حينها أن أقترض منه مبلغ (مليار أو مليارين) أحقق بها مشروعي بأنشاء (بانزين خانه) عدد أثنين أبنيهما في (الصوبين) !
لله درك وللناس درسك أيها الدر الفرات (تاء) , نأسف أن نتفرج ولانملك سوى الأماني والدعاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق