الاثنين، 4 فبراير 2013

بغداديات - الحسد موروث واقعي مابين القدريّة و التبرير للفشل

سمعت من كبارنا حكاية الأعرابي الأعمى حين علم أن مجموعة من الأبل كانت ترعى في منطقة قريبة فطلب ممن يجالسونه أن يصفوها له فلم يقتنع , فقاموا بصنع تماثيل مصغرة من الطين كي يتحسسها و يتأكد من دقة شكلها كونه بصيرا" فأحالها الى (كباب و تكّه ومعلاك مع تشريب لحم) بمجرد أن لمس تماثيلها
و أطلعت على قصة أبن عاشور الذي كان يتراهن على أيقاف محرك سيارة بمجرد نظرة من عيونه المالحة ويقال والعهدة على ( سيد حسين أبو الحروز) أنه أثرى من خلال كسبه للرهان بأيقافه للمحركات بكل أنواعها بنزين وديزل حتى العربات التي يجرها حمار أو حصان كان يحسدها فتشهق سريعا" وترفس لتنفق بل يذهب البعض ممن ذاقوا ويلات قصفه بأنه أسقط طائرة في العام 1980 لكن الطائرة كانت عراقية فتكتم الناس على القصة خوفا" على أطفاله وزوجته ( الحبّابه المؤدبة )
و حكى لي شقيقي عن أحد أصدقائه حين صوّب نظره الى أحد العمال وهو صباغ كان معلّقا" (فوق أسكلّه ) على جدران بناية مدينة الطب أثناء أعادة أعمارها فباغته بقذيفة حسديّة من النوع المهداد الغير قابل للتشضيّة حين سمع صديقه يردد مع نفسه قاصدا" العامل ( قابل عصفور طاير بالسما يامنعول الوالدين ) فطار بعد أقل من ثانية من الطابق التاسع الى التبليط مباشرة ليلقى حتفه ولا أحد حتى الآن يعرف ماكتب عن أسباب الوفاة في تقرير الطب العدلي , وقال أهلنا : ثلثين المقابر عيون , و يقصدون أن الغالبية من الموتى كان موتهم جراء الحسّد و أنهم ضحايا للعيون الشريرة التي تجوب داخل البيوت والشوارع الرئيسية ليتعاظم فعلها في المحلات و البيوت والأزقة
وذهب البعض الى أبعد من ذلك حين أرجعوا أسباب الحروب الى حسد من النوع الدولي , فالحرب مع أيران كانت (عوينة ) أصابت العراق بسبب ما كان فيه من أزدهار تتمناه كل ماحولنا من الدول, وحرب الخليج كانت عين أصابت العراق مقتلا" على أثر زيارة لشخصية عربية معروفة لم تذكر أسم النبي أثناء تجوالها داخل بغداد تحديدا" أمام النفق الواقع أمام فندق الرشيد ومابعدها , أما حرب الخليج الثانية والعهدة على البعض فهي بسبب (أم ذويل) وتعني مذنبا" سماويا" كان يظهر في سماء العراق قبل فترة من الحرب , وهنا يخرج نطاق الحسد والأرواح الشريرة عن كوكب الأرض ليكون مصدره الكون , لا أخفيكم أنني كأنسان أعيش في مجتمع مليء بالموروث والتقاليد و التحليلات الغير موضوعية كنت ولازلت كغيري نصف مؤمن بالحسد فكثيرا" ما أتبعت نصيحة الحاجّه أم عبد المجيد والتي تكرمت بأطلاعي على تعويذة ناجعة :
وليدي أذا شفت واحد حاسد أقرأ المعوذتين و أتفل بزيجك ثلث مرّات و العين الماصلّت على النبي يطفيها الرحمن و تبرد , كذلك لا أنسى أهزوجة والدتي رحمها الله والمشتقة من أراجيز قديمة تعود لألف سنة حين ترددها لي في صغري وأستمرت تعيدها لأولادي دائما" :
صلّي على النبي يالشايفتهم .. وعينچ بالعمى يالحاسدتهم
لكني وبسبب سرعة أيقاع الحياة أنساها أحيانا" لأصاب بقذيفة نمساوية لاتبقي ولاتذر تجعلني أفسر كل مالايتوافق مع أرادتي بأنه من جنس الحسد
أم حسين جارتنا عينها كريمة , كثيرا" ما صادفتها وأنا خارج من منزلي مع ساعات الصباح المبكرة , رمقتني بنظرة صامته في أحد الأيام , كنت في المساء راقدا" في غرفة أنعاش بالمستشفى على أثرحادث سيارة مفجع , توفيت أم حسين و أنتهى عهد الهروب المبكر مع ساعات الفجر لأجد نفسي هدفا" من جديد للجارة الجديدة أم سعد بعد أنتقالي لبيتي الجديد فعيونها زرقاء تفوق قوّتها أضعاف قذائف عيون أم حسين على حد قول المحذرين , كانت تقف في منتصف الشارع لتفتح تحقيقا" بالتفاصيل البوليسية المملة , وين رايح منين جاي , بالعافية السيارة الجديدة , قاطك تركي لو سوري , قميصك يبين غالي , بايسكل وليدك منين أشتريته , البارحه شفت كارتونة موز عدكم , بلكي فد موزه لحمودي , أستنجدت بأهل الخبرة , أشاروا علي أن أضع في كل ركن قطعة من التعويذة السومريّة (أم سبع عيون ) مع قرن الغزال حتى أشار بعض المتطرفين منهم أن أعلق في جبهة النار أو واجهات الدار حذاءا" قديم أو (مكرّم السامع نعال أو شحاطه مستهلكة ) فكثيرا" ماترد أحاديث أرتبطت بالموروث الشعبي عن أجراءات أحترازية يقدمها البعض بصورة مجانيّة عفويّة تسهم في منع الهجمات الشرسة للعيون الحاسدة كما يعتقد البعض
أولها أن يحرق (ذيال العبائة) التي ترتديها المرأة قيد الشك ولا أعرف كيف سيكون الأجراء مع الرجل الحاسد فربما يكون ( أفندي) مما سيؤدي الى وقوعنا في حيرة عن أي جزء من ملابسه سنحرق , أما الطريقة الأخرى فهي رمي بقايا الشاي (البثل ) أمام عتبة دار الحاسد فينقلب الشر عليه ويرابط عنده , و تلك طريقة كثيرا" ماسببت مشاكل لأن أثاراها تبقى واضحه ليكتشفها المقصود وتبدأ معها سجالات الدفع بالتهمة , وينهج الغالبية الى طريقة أسهل لكنها بالتأكيد غير كافية حين يدفنون سكّينة في عتبة الدار كي تمنع الشر بانواعه من الدخول , ناهيك عن النذور و الشموع و البخور مع الحرمل يستخدمونه في وقت محدد مع غسق الشمس قبل الغروب بفترة قليلة (مع صفار الشمس) أما التعويذات المعترف بها فهي قراءة المعوذتين سواء بقرائتها أو تعليقها كمخطوطات مؤطرة في الأماكن البارزة وتردد بعدها الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام مع أطلاق التسبيح والتمجيد بالخالق (ماشاء الله) , وتوجد أيضا" معوذة كف النبي الأكرم و كف العباس عليه السلام و بيرق سيد أحمد الرفاعي الذي يمتلك كرامة ترويض الأفاعي كما ذكر البعض أما الأكثر شهرة في التداول والأقدم كما أكد المعاصرون من المختصين هي التعويذة السومرية (أم سبع عيون ) التي ذكرتها سابقا" , و كذلك محابس الشذر وقلادات القرآن الكريم المصاغة من الذهب , و بستوكه الطرشي و كل مالونه أزرق , ربما أرتبط هذا اللون بالعالم الروحي أو السفلي , أو العلوي حيث السماء الزرقاء المترامية كي تشتت الشرور الآتية من كل حدب في تلك الحياة المتنوعة , نضيف لها أراجيزا" أصبحنا نراها دائما" في حياتنا اليوميّة , كعبارات على واجهات العمارات والسيارات من قبيل الدفع بالحسد ( العين صابتني ورب العرش نجاني , عضّه أسد ولانظرة حسد , عينك ولك , عين الحسود بيها عود و الكثير غيرها )
الحسد مفهوم يراه البعض ظاهرة يتعاملون معها وكأنها حقيقية قائمة , ليس في مجتمعاتنا فقط بل يتعداها الى المجتمعات الأخرى , فالمتحضرة تأخذ بها كما نقل لي البعض ممن عاصروا تلك المجتمعات لكنها عندهم على نطاق أضيق مما لدينا في المجتمعات المتخلفة فيكون فيها تجارة و أستثمار حتى أتخذها البعض كمهنة لتستهلك موارد المهووسين بالخوف من النفوس الشريرة و التوابع حيث يتصورونها في كل لحظة تلاحقهم , فمابين فتاح فال و قاريء طالع أو داعية أزدهرت تلك الأمور يزيد من الأيمان بها أنها مذكورة في غالبية الكتب السماوية مماحدى بالكثيرين أن يتعاملوا معها كحقيقة قائمة تتطلب السعي الدائم لدحرها بل أن البعض يرجعون سبب فشلهم في كل أمر الى الحسد وأنهم أبرياء من كل مسؤوليّة أمام أنفسهم أو هكذا يقنعون أنفسهم , و لو دققنا التحليل وفق منظور واقعي للمجتمع سنجد أن مستوى الأيمان بالحسد يتراوح مابين التكذيب واليقين بنسب متفواته , فحين نسأل أحدهم عن رأيه يجيب كما بينت عن نفسي بأنه يؤمن ولايؤمن , وهذا الجواب الفضفاض نتيجة متوقعه لكون الحسد مفهوم غيبي يعتمد على الأستنتاج التفسيري حين يعجز الجميع عن أيجاد تحليل موضوعي ملموس للأمور السيئة وغير المتوقعه .. أودعناكم وقبل لا تروحون صلّوا على النبي

الحوار المتمدن صفحة الكاتب محسن لفته الجنابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق