الاثنين، 24 سبتمبر 2012

ثماني سنوات بين الكوت والموصل - في ذكرى الحرب العراقية الأيرانية



كنت يومها في الكوت في زيارة الى بيت شقيقي العسكري هناك حين فوجئنا بثلاثة طائرات صفراء ترعد منخفضة ظهيرة يوم لن أنساه هو الأثنين 22/9/1980 , شكلها مضلع لاتشبه السوخوي و الميكَ 21 ولا 23 ذات الأجنحة المتحركة
 
, قامت بصب نيرانها على قاعدة أبو عبيدة الجوية , كنّا قريبين نلعب الكرة على شاطيء الغرّاف ولايفصلنا عن القاعدة التي يعمل بها أخي سوى عرض النهر , تسمرنا دون خوف مع دهشة نستمتع بمشاهدة ألعاب ناريّة ضخمة و صوت وعصف لم نشهده فقد أشبع المشهد الغير مسبوق فضولنا فرغم متابعتنا المستمرة لأفلام كارتون لكننا لم نشهد مثلها , عتبت في نفسي على قناة 9 فهي لم تكن تعرض الحروب والقتال أما قناة 7 فشتمتها فكل برامجهم هادئة وعلمتنا على الهدوء فأنعدمت الأثارة عندنا , كانت أشياء تطير في الهواء ليسقط قسم منها قربنا (تبين فيما بعد أنها قطع حديد ساخنة تقتل من تصيبه يسمونها شظايا ) كم نحن أبرياء أو بالأحرى أغبياء ولانعرف أن هنالك من يقتل الناس لمجرد القتل وأن لم تكن هناك ضغينة أو عداوة مسبقة أو طرفا" في (عركه) فقد كنا على وشك أن نقتل دون أن نعلم , عدنا من الشاطيء الى بيت أخي وجدنا المجمع مكتظ بالناس في ترقب وقلق أثار قشعريرتنا , يبدو أن الأمر ليس فلما" أو مهرجان ألعاب ! تأكدت من ذلك وأنا أقرأ عيونهم ,
سأل أحدهم : كم ستبقى تلك الحرب ؟ أجاب شاب مسرع الخطى : يوم ... يومين و تفض ... أجابت أمرأة ثلاثينية : يمّه ! ثلثتيام ؟ شيخلصها ؟
واحد المتجمهرين : يكَولون جابوا سيد مالك ومشى على السدّة خاطر ماتنضرب .
واحد آخر : اليوم بالأخبار دعوا تسع مواليد
كبار السن كانوا قلقين أما الشباب فأسرعوا للبحث عن أخبار أخرى سمعنا لأول مرّة بأسماء لم نكن نسمعها زين القوس و سيف سعد مطار مهر آباد وديزفول وقصر شيرين (معقولة هالكَد أكو مكانات بالعالم !! ) ...
أسرعت لأقرب جهاز تلفزيون :
كان صوت عبد الحليم يصدح : يا أهلا" بالمعارك يابختو مين يشارك ...
وصوت أم كلثوم : بغداد ياقلعة الأسود و فهد بلان يقول : ويلك ياللي تعادينا ويلك ياويل شبه النار تلاكَينا بظلام الليل و مائدة نزهت تصيح : كَول ياعز العرب و فاضل عواد : يمّه يماه يمه شدّيت الجرغد بزنودي .. أما صلاح عبد الغفور فكان لابس شفقه عجبتني كون أحصل وحده مثلها لأن ماكو بالسوكَ منها .. وبصوته الحلو يصيح : أتقدم وأحنا وياك أثنين ... بعد بيتي
كانت أجواء حماسية صحيح كلها العالم مرعوبة , بس الأطفال فرحانين ما أعرف ليش , يمكن لأن مايعرفون شنو السالفة
الحجية كامت تلطم لما طبيت البيت : أخوك بالقاعدة و أنضربت كل طياراتها وأنت ويه أصدقائك تلعب طوبه ؟
الظاهر الشغلة ثخينة ... الحمد لله سمعنا هورن سيارته , ها شكو ماكو ؟ الحمد لله على السلامه , كان مو على بعضه , أشو ساكت مايحجي وهاي مو طبيعته , قال : حضرولي كم دشداشة ولاتنسون الشحاطة لأن لازم أرجع بسرعه للقاعدة
يابه الشغلة حيل ثخينة مو لعب جعاب وبيها كتل ومكاتل
الحجية : آني دقيقة ما أبقى هنا , خلي أرجع لبغداد , الكوت قريبة على أيران ويجوز يقصفونها النوب ونموت كلنا .. بعد عيني يا سيد مالك , ما مشى بس على السدة
عدنا الى بغداد فورا" بمنشآت نقل المسافرين (كانت حلوة و أحبها تكول صاعد بطيارة )
وصلنا لتقاطع المدائن مع غسق الشمس , حتى رأينا المشهد اللذي لاينسى , فقد تحولت بغداد من بعيد الى كتلة نار , كان السائق يقف أحيانا وبعدها يسير ببطء فقد شبت النيران الى عنان السماء وكأن الطريق يشتعل أمامنا , خزانات نفط كانت قريبة من الطاقة الذرية تم قصفها , توقف السير أكثر من ساعة حينها , وصلنا متعبين وسط هدوء , حتى دوّت صافرات الأنذار , غارة جوية ( كلها تصيح طفّوا الأضوية , هذا منو شغّل ضوة الحمام ؟ و مانامت الوادم لحد الوحدة بالليل ) وثاني يوم بالجريدة : أسقاط 67 طائرة معادية وتحرير زين القوس وسيف سعد و كنّا نقرأ الصحف حرفا" حرفا" نريد أن نعرف مايجري
وأستمرت حرب الثماني سنوات العجاف جدا" حتى جاء خبر أنتهائها أستقبلت الخبر وأنا في في معسكر طلابي في الموصل غير مصدق كما الجميع , بدأت معي من الكوت وأنتهت في الموصل ولم أستفد من تلك الحرب سوى بفكرة واحدة , أن الأنسان مخير بكل شيء الا ثلاثة فهي تفرض نفسها عليه :
أسمه فهو يأتي قبله و الحب ليسوقه قلبه , والحرب أذا أقبلت فهي قدره فلامهرب منها .
أودعناكم وتصبحون على سلام


الحوار المتمدن - القصة - شهادة فتى بريء عن الحرب العراقية الأيرانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق