الخميس، 20 سبتمبر 2012

وراء كل رجل عظيم أمرأة تبيع السمك



كان زميلنا (خالد) يحتل مرتبة الأناقة الأولى ,ليس على مستوى كليتنا بل ربما يتعداها لينافس الطلاب الأغنياء في كل جامعة بغداد , يتفنن في أرتداء البدلات , لديه سيارة سوبر موديل 1985 , عجبة آلهية حينها لايمتلكها أبن الوزير لاسيما وأننا في العام 1988 , ليقترب من آل بنيّة والدامرجي و أبن عضو القيادة القطرية , كانوا معنا وغيرهم في تفاوت مجتمعي تحت وطأة نظام أشتراكي هجين مثقل بحرب ضروس ليشترك فيه الجميع بحد معين من مراتب المساواة و لم يخرقه الا المتميزين ممن ذكرتهم .. كان خالد أحدهم 
في يوم من الأيام دعاني الى بيته مع صديقنا (رعد ), كما نفعل دائما" كانت عزومة سمك لاترد , بيته في (جميلة ) , أخبرنا أنه سيعرج على منطقة (النهضة) , وصلنا الى حيث باب الكَراج الموحد , ترجل وطلب منّا أن نترجل معه , أتجه الى بائعة سمك , وتقدم نحوها ليقبّل يدها ورأسها , و نادى علينا كي نسلم عليها , كنّا مستغربين قليلا" , فكسر الجمود , ليخبرنا أن بائعة السمك هي والدته , نعم , كانت والدته , خمسينية تفترش الأرض أمامها (طشت ) أو أكثر .. حييناها بقوة و وقفنا لبعض الوقت لنواسيها على التعب و كيف أنها مهنه تتطلب صبرا" و جهود و أستيقاظ مبكر قبل طلوع الفجر للذهاب الى علوة السمك ومن ثم تهيئة الثلج و التنظيف عند البيع , أندمجنا مع (أم خالد ) شجعنا أبنها (صديقنا خالد) حين بدى فخورا" بأمّه بعيدا" عن ( الأستنكاف ) الى حد كبير , وكانت هي أيضا" فخورة بأبنها , وبعد حديث طويل عن أنواع و أشكال الأسماك أخبرناها عن أناقة خلودي و ثرائه فأبتسمت أبتسامة الواثقين بعد أن أطمئنت بأننا غير حاسدين .. حمل خالد (الطشتين) مع أدوات البيع ليركنها في كشك قريب و تربعت أم خالد في مقدمة (السوبر 85) ونحن الى الخلف و تبادلنا أحاديث تنم عن طيبة وأيثار وسط أجواء غمرتنا بشعور غريب , مشهد لن أنساه زاده طعم السمك المشوي رسوخا" في أذهاننا بقيت , أجملها مشهد المرأة العملاقة المجاهدة الحقيقية (أم خالد) تلك التي تصنع من طشتها و زفرة سمكها أناقة وثراء وأكتفاء و شهادة يحملها بالنيابة عنها أبنها , ليكمل عنها مالم تنله لتساهم في رفد أسطوري لرسالة الحياة .


القصة على الحوار المتمدن شرفونا بزيارتكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق