السبت، 13 سبتمبر 2014

تسريبات من غزوات البغال

راودني شعور مقزز وأنا أتمشى في أحد الشوارع التجارية في العاصمة عصر اليوم , حدث ذلك بعد تفحصّي لـ (بعض) النماذج من المراهقين الشباب الذين يمثلون جزءاً من زهور الحاضر وثمار المستقبل للأجيال , كانوا يصدرون أصواتاً هجينة بهيئات أنثوية مقرفة تثير الأستغراب , يرددون ( يؤيؤ , سوده عليّه , دادا , قاسي , هاي شبيك ... ألخ ) ينطقونها مع ألفاظ مخجلة بطريقة الغنج والدلال كما الفتيات الصغيرات حين يخفن من عصافير (النبكَه) والمشهد ليس دخيلاً بل تحوّل الى طباع معتادة يسارعون في تلقفها وكأنها أحدى مستلزمات التواصل مع الأصدقاء .
أعادتني الذاكرة هارباً الى العام 79 حيث دكان (أبو أسوان) ذلك الرجل الخمسيني ببدلته الرسمية ونظّاراته السميكة , كان صاحب مكتبة في منطقتنا , كنت حينها في الصف السادس الأبتدائي , ففي صباح أحد الخميسات أردت شراء (مجلتي والمزمار) وحين أقتربت من (الكشك) وجدته يصرخ في صبي يقف أمامه بخنوع مؤنباً :
بابا عيب عليك .. أنتَ رجل , قل ( أستاذ عندك فلان مجلة) و لاتقل (عمو أكوش عندك فلان مجلة) , أجعل الرجولة صفتك , كان أبو أسوان يتكلم بحرقة حينها , وتأكدت أن الصبي لن ينسى ذلك أبداً .
لا زلت رهيناً للذاكرة وأنتقلت بعد هذا المشهد الى معسكر التاجي , حين ألتحقنا بالجيش أثناء خدمة العلم , ألتقينا برفاق جدد لم يسبق لنا معرفتهم , كان بينهم شخصاً عملاقاً, عظيم المنكبين طويل القامة غليظ اليدين , مما أثار فضولنا , تصورناه بطل العراق في كمال الأجسام أو المصارعة سيأخذونه في القوات الخاصّة لامحالة , فأقتربنا منه لنتعرف عليه , سألناه : ما أسمك ؟ , أجابنا بصوت نسائي رفيع جداً : أسمي نهاد , أستغربنا من صوته وحركاته وتصورناه مصاب بالزكام أو أنه ربما أكل الطرشي قبل أن يلتحق بالمعسكر , سالناه أيضاً : أين تسكن ؟ , أجابنا : بالسيلخ !! عرفنا أنه يسكن منطقة الصليخ لكنه قالها بالسين وليس بالصاد , كتم الجميع ضحكة كبيرة وتركناه للأبد , حتى عرفنا أنه أرتضى أن يعمل (مراسل) والمراسل بالمفهوم العراقي الدارج مفردة لاتعني المراسل الحربي كما يتصور البعض , بل هي وظيفة أقرب الى مهنة الخادم الذي يغسل الصحون والملابس الداخلية للضباط .. صار معها مضرب للأمثال في كل المعسكرات مع الوحدات المتجحفلة معها وتلك كانت صورة توضح نظرة المجتمع الى الرجل الفاقد لبعض التفاصيل من الصفات الطبيعية , يستعاب ليس لجوهر الميوعة والتصنّع بل بسبب ماتعكسها من آثار على الرصانة الأجتماعية.
لنعود الى الحاضر ونحن نطالع (البعض الأغلب ) من شبابنا , مؤلم حالهم , يحتاج رثاء و أنقاذ , أحاديثهم بعيدة عن الذوق والأصالة , يحتاج المرء الى جهاز سونار حقيقي وليس مثل الذي عندنا ليتأكد بأن الذي أمامه ولداً وليس بنتاً , أزداد الشعور المقزز لدي وأنا أطالع خبراً غريباً ذي صلة , يبدو أن العولمة جعلت القلوب سواقي لكل البشر لكنها اليوم لاتلتقي بل تتزاحم في ثورة المصالح المتلاطمة فكل يعزف على ليلاه , أحدهم (مارك زوكربيرغ ) صاحب موقع الفيس بوك خرج علينا اليوم بخبر مفاده : أنه أصدر خيارين جديدين للجنس , فبالأضافة الى خياري الذكر والأنثى أصبح بأمكان المتفسبك أن يختار ليكون (متحولاً جنسياً أو خنثى ) بصراحة لا أعرف الفرق بينهما ولا أجيد سوى ترديد الصلوات فقد أكتملت المسبحة ,الى ماذا يرمي هذا الشايلوكي المتعولم , دعونا منه ولنسلط الضوء على أسباب أنحلال شبابنا , فقد بدأوا بالغالبية في التحول , ملابسهم أنثوية أكثر منها ذكورية , يضعون المساحيق و المراهم على وجوههم و شعورهم , يستنزفون الموارد ليهدروها على محلات الحلاقة التي تحولت بالتدريج الى صالونات لاتختلف عن النسائية حتى في أسعارها , لو كانت لدينا الصلاحية في تفتيشهم لوجدنا (ربما) أغلبهم يرتدون ملابس داخلية نسائية , كلامهم صار ناعم في الغالب , تعابيرهم أنثوية صرفة , هل هو الضياع أم التمرد أم لجلب الأهتمام وإن كان بطرق شاذّة تسيء الى كينونة الأنسان وجوهره , ربما مصدره التوجيه الديني القسري السائد في أيامنا تزيدها الصراعات والتسقيطات المذهبية المتبادلة , يكون الشذوذ رد فعل على فعل الأجبار بسبب تناقضه الفاضح مع الأنفتاح والحرية المطلقة , مؤثرات يشعر بها جميعنا , تؤثر مقتلاً في الناس غير المحصنين ضدها خصوصاً ذوي الأعمار المبكرة , لسنا من دعاة التقليدية والتمسك بالموروث بحذافيره , بل نواكب كل تطّور , على أن يضيف شيئاً مفيداً للمجتمع أما هذا التقليد للشواذ فهو أنحراف جماعي نحو الضياع عن الهدف الأنساني للحياة بأهم ركائزها , الا وهو أقتسامها بين الرجل والمرأة , وجودها يتمثل بالحد الفاصل بين كينونتهما , فالحياة بدون رجل تؤدي الى الأنقراض كذلك الحال مع عدم وجود المرأة , فأجمل مافي الرجل رجولته والأخيرة هي المقياس الذي يجعل الأناث تهتم و تعجب وليس مايفعل المخنثون الحمقى , فلا أبشع من أن يكون المرء محلّاً يتطابق مع الصفة الحقيرة التي يطلقها أهلنا عن الـ (خنّكر) فهو مفهوم يجمع في جسد واحد الأنثى مع الذكر ,أن يقلدوا الشباب غيرهم ليس بالأمر المعيب لكن تقليد حثالة العالم ليس بالأمر الحسن وإن كان قليلاً وليد الصدفة والنسب المنصفة لما أستغربنا فالشذوذ موجود منذ القدم وردت أخباره في التاريخ والكتب السماوية , كذلك (الجنس الثالث) أولئك الفرادى القلة فهم موجودون أيضاً نتعاطف معهم كونهم ضحايا لعوارض وأضطرابات جسمانية أو هرمونية لخلل أو فقدان لواحد أو أكثر من متطلبات الكمال الخلقية , لكن الخطر الذي نشير أليه هنا هو عن أزدياد النسب في تحول الأسوياء الى الميوعة والشذوذ لتصبح أعدادهم فوق المعدلات الطبيعية , ولنا أن نتصور كيف ستكون الحياة بدون أسوياء إن أستمر الأمر دون توقف , حتماً ستضيع المعايير ليفقد المجتمع أحد مرتكزاته في الوجود بعد تصدع مقاييسه وأركانه الرئيسية , وقبل أن نغرق في السوداوية علينا أن نستدرك بأن العالم مليء بالمبدعين , لماذا لا يقلدهم شبابنا بدل أن يستميتوا في التشبه برعاع الشوارع الخلفية لحي (هارلم) ومدن المجون ومثليي الجنس الذين يتزوجون بعضهم , الى متى يبقون يكتفون بالقشور من الجيدين دون التعمق في أسباب نجاحهم , الحرية الشخصية نعترف بها على أن لا تدمر المجتمع , أما المراهقة فهي مرحلة تحتاج الى المتابعة مع العناية المميزة , نقول ذلك لنذكّر أولي الشأن ممن يتحملون مسؤولية أبنائهم , أما أولئك التائهون في التقليد الشاذ الأعمى نوجه لهم سؤال واحد يختصر كل هذه السطور المملة : ماذا أبقيتم للأناث ياشبابنا (الذكور) الغارقين في الأنثوية المقززة , متى تعجنكم الحياة بماكنتها لتعرفوا رسالة تلك الحياة !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق