الخميس، 11 سبتمبر 2014

حكاية فطومة العمية


في الصفات المميزة للشخصية العراقية لمن لايعرف طباع أهل العراق

أعتدت وأنا تلميذ في الجامعة على الطواف بدراجة هوائية مع صديقي ناجي أبن حنانش في تلك النواحي القريبة من بغداد , قلّما أخذنا معنا زاد أو شراب , كلما شعرنا بالعطش أو الجوع أقتربنا من بيت فلاح بسيط ونادينا (السلام عليكم يا أهل البيت , ممكن الله يحفظكم تعطونا شويّة ماي عطشانين) يردّون التحية ويخرجون الينا بشيء من اللبن وأحياناً مع شيء من التمر أو الخبز . كثيراً مادعونا للجلوس فيأتونا بغداء كامل . كذا فعلنا مع هذا البيت الخرب في ضواحي المحمودية جنوب بغداد , خرجت ألينا أمرأة عجوز (هلا , هلا , أولادي تفضلوا أقعدوا ) , أجلستنا على حصيرة و ذهبت , ذهبت وأختفت لنحو نصف ساعة , تعجبنا من أمرها وهممنا بالأنصراف , ولكننا سمعنا صوت خيل تقترب , نزل رجلان وبادرا لتحيتنا وأنضموا ألينا , تجاذبنا الحديث معهما وحكينا لهم أخبار بغداد , وحكوا لنا عن مصاعب الزراعة والعيش كفلاحين , وبعد قليل نادت المرأة عليهما فجاءا منها بوجبة دجاج ورز وخبز مع طاسة من اللبن الشنينة (تفضلوا ياشباب !) , ثم نادت عليهما ثانية فأستلما منها أستكانات الشاي , شكرناهما وهممنا بالأنصراف , قالا (يالله نمشي سوا , أنتوا على حصان الحديد وأحنا على خيلنا) , أزددنا تعجباً : أليس هذا بيتكم ؟
نظروا في وجوهنا ثم قالوا (ماتعرفون ؟ , هذي خرابة فطومة العمية , العجوز اللي شفتوها , نادت علينا حتى نقعد نتسامر ويّاكم مابين هي تحضّر الطعام ) , فمن أصول الضيافة مسامرة الضيوف , ولكنها كأمرأة لايليق بها أن تجلس مع الرجال , فسارت نحو نصف كيلو متر لتجلب أحداً من القرية يسامرنا و يشاركنا طعامنا , صعقنا لسماع ذلك , هذه العجوز الفقيرة الضريرة تذبح لنا دجاجاتها وتأتي بضيوف لمسامرتنا وهي لاتعرفنا ولا تتوقع شيئاً منّا ولا تنتظر لقائنا بها ثانية قط , هممنا بدفع شيء لها , نظر في وجهي أحد الرجلين ثم قال (أعوذ بألله ! ماتعلمون هذا , راح تخربون عليها كل سعادتها بهذا اليوم ! ) .... يبدو أن خالد و ناجي نسيا أنهما في العراق ! .
خالد القشطيني / كتابه / فكاهات الجوع والجوعيات /  كاتب عراقي بريطاني قدير



عائلة أجنبية بضيافه عائلة عراقية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق