في الصفات المميزة للشخصية العراقية لمن لايعرف طباع أهل العراق
أعتدت وأنا تلميذ في الجامعة على الطواف بدراجة هوائية مع صديقي ناجي أبن حنانش في تلك النواحي القريبة من بغداد , قلّما أخذنا معنا زاد أو شراب , كلما شعرنا بالعطش أو الجوع أقتربنا من بيت فلاح بسيط ونادينا (السلام عليكم يا أهل البيت , ممكن الله يحفظكم تعطونا شويّة ماي عطشانين) يردّون التحية ويخرجون الينا بشيء من اللبن وأحياناً مع شيء من التمر أو الخبز . كثيراً مادعونا للجلوس فيأتونا بغداء كامل . كذا فعلنا مع هذا البيت الخرب في ضواحي المحمودية جنوب بغداد , خرجت ألينا أمرأة عجوز (هلا , هلا , أولادي تفضلوا أقعدوا ) , أجلستنا على حصيرة و ذهبت , ذهبت وأختفت لنحو نصف ساعة , تعجبنا من أمرها وهممنا بالأنصراف , ولكننا سمعنا صوت خيل تقترب , نزل رجلان وبادرا لتحيتنا وأنضموا ألينا , تجاذبنا الحديث معهما وحكينا لهم أخبار بغداد , وحكوا لنا عن مصاعب الزراعة والعيش كفلاحين , وبعد قليل نادت المرأة عليهما فجاءا منها بوجبة دجاج ورز وخبز مع طاسة من اللبن الشنينة (تفضلوا ياشباب !) , ثم نادت عليهما ثانية فأستلما منها أستكانات الشاي , شكرناهما وهممنا بالأنصراف , قالا (يالله نمشي سوا , أنتوا على حصان الحديد وأحنا على خيلنا) , أزددنا تعجباً : أليس هذا بيتكم ؟
نظروا في وجوهنا ثم قالوا (ماتعرفون ؟ , هذي خرابة فطومة العمية , العجوز اللي شفتوها , نادت علينا حتى نقعد نتسامر ويّاكم مابين هي تحضّر الطعام ) , فمن أصول الضيافة مسامرة الضيوف , ولكنها كأمرأة لايليق بها أن تجلس مع الرجال , فسارت نحو نصف كيلو متر لتجلب أحداً من القرية يسامرنا و يشاركنا طعامنا , صعقنا لسماع ذلك , هذه العجوز الفقيرة الضريرة تذبح لنا دجاجاتها وتأتي بضيوف لمسامرتنا وهي لاتعرفنا ولا تتوقع شيئاً منّا ولا تنتظر لقائنا بها ثانية قط , هممنا بدفع شيء لها , نظر في وجهي أحد الرجلين ثم قال (أعوذ بألله ! ماتعلمون هذا , راح تخربون عليها كل سعادتها بهذا اليوم ! ) .... يبدو أن خالد و ناجي نسيا أنهما في العراق ! .
خالد القشطيني / كتابه / فكاهات الجوع والجوعيات / كاتب عراقي بريطاني قدير
عائلة أجنبية بضيافه عائلة عراقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق